للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما بلغهم الرسل وبينهم فهم هم يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا اى من جهة مكان يستقرون عليه ويتوطنون فيه وَأَحْسَنُ مَقِيلًا يستريحون ويستروحون فيه ومع الحور والولدان والغلمان يتلذذون او هم يومئذ اى حين انقطاع السلوك وانكشاف السدل والاغطية المانعة من الشهود خير مستقرا من استقرارهم في مقر التوحيد آمنين من وساوس الأوهام والخيالات الباطلة واحسن مقيلا يستريحون فيه بلا مقتضيات القوى والآلات البشرية منخلعين عن جلابيب ناسوتهم مطلقا مشرفين بخلع عالم اللاهوت المهداة الموهوبة لهم من قبل حضرة الرحموت

وَذلك يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ اى تتصفى وتتجلى سماء الأسماء الإلهية المستورة المحتجبة بِالْغَمامِ اى بغيوم التعينات العدمية المنعكسة منها وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ المهيمين عند الذات الاحدية الا وهي الأسماء والصفات التي قد استأثر الله به في غيبه بلا انعكاس وانبساط وامتداد ظل كسائر الأسماء الفعالة الإلهية تَنْزِيلًا على صرافة تجردهم بلا تدنس وانغماس بغيوم التعلقات والتعينات مطلقا

فحينئذ نودي من وراء سرادقات العز والجلال الْمُلْكُ المطلق والاستيلاء التام والسلطنة الغالبة يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الثابت اللائق المثبت على ما ينبغي ويليق لِلرَّحْمنِ المستوي على عروش ذرائر الأكوان بعموم الرحمة وشمول الفضل والامتنان بلا تقدير مكيال وميزان من زمان ومكان وَقد كانَ ذلك اليوم والشأن يَوْماً وشأنا عَلَى الْكافِرِينَ الساترين بغيوم هوياتهم الباطلة هوية الحق الظاهر في الأنفس والآفاق عَسِيراً في غاية العسرة والشدة وعلى الموحدين الواصلين الى مرتبة الفناء الفانين في الله الباقين ببقائه سهلا يسيرا في غاية اليسر والسهولة

وَاذكر يا أكمل الرسل لمن ظلمك وأساء الأدب معك وأراد مقتك وطردك بغيا عليك وعدوانا بك يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ الجاحد الخارج عن مقتضى الأدب مع الله ورسوله عَلى يَدَيْهِ تحسرا على افراطه وتفريطه في العتو والاستكبار والجحود والإنكار يَقُولُ حينئذ متحسرا متمنيا يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ الهادي الى سواء السبيل سَبِيلًا يوصلني الى منهج الرشد وينجيني عن هذا العذاب

يا وَيْلَتى تعالى ويا هلكتي اسرعى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً مضلا مذلا خَلِيلًا صديقا قد أضلني عن خلة الرسول المرشد المنجى وازالنى عن شرف صحبته والله ذلك المغوى المضل

لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ اى عن ذكر الله وتذكير رسوله وعن مصاحبة المؤمنين ومواخاتهم بَعْدَ إِذْ جاءَنِي واختلط معى وصار صديقي وخليلي وخير قرينى ورفيقي بل صار شيطاني فوسوس على وصرفني عن طريق الحق بتغريره وتلبيسه وَبالجملة قد كانَ الشَّيْطانُ المضل المغوى سواء كان جنا او انسا او نفسا لِلْإِنْسانِ المجبول على الغفلة والنسيان خَذُولًا يخذله ويحرمه عن الجنان ويسوقه الى دركات النيران بأنواع الخيبة والحرمان. نعوذ بك يا ذا الفضل والإحسان من شر الشيطان

وَبعد ما قد طعنوا في القرآن طعنا كثيرا ونبذوه وراء ظهورهم نبذا يسيرا بلا التفات لهم اليه والى ما فيه من الأوامر والنواهي قالَ الرَّسُولُ مشتكيا الى الله مناجيا معه يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي الذين قد بعثتني إليهم لأهديهم وارشدهم الى طريق توحيدك وأبين لهم حدود ما أنزلت الى من الكتاب المعجز الجامع لجميع ما في الكتب السالفة المشتمل على عموم المعارف والحقائق والحكم والاحكام المتعلقة بالتدين والتخلق في طريق توحيدك وتفريدك وتقديسك مع ان هؤلاء الجهلة المسرفين قد اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مع سطوح برهانه وقواطع حججه وبيانه مَهْجُوراً متروكا لا يلتفتون اليه ولا يسترشدون

<<  <  ج: ص:  >  >>