للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوحده في ذاته تَجْعَلُونَ وتتخذون لَهُ أَنْداداً وتثبتون له شركاء في الوجود مشاركين معه سبحانه في الآثار والتصرفات الواقعة في الكائنات وتتوجهون نحوهم في الخطوب والملمات مع انه لا رب لكم سواه سبحانه ولا مرجع لكم غيره بل ذلِكَ الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ذكر نبذ من أخص أوصافه وأسمائه رَبُّ الْعالَمِينَ اى موجد عموم ما لاح عليه برق الوجود وهو مربى الكل بمقتضى الجود

وَكيف تنكرون وحدة الحق واستقلاله في ملكه وملكوته مع انه قد جَعَلَ بمقتضى حكمته فِيها اى في الأرض التي هي عالم الطبيعة والأركان رَواسِيَ اقطابا وأوتادا رفيعة الهمم عالية القدر مستمدة مِنْ فَوْقِها اى من عالم الأسماء والصفات وَلهذا قد بارَكَ فِيها وكثر الخير والبركات عليها بيمن هممهم العالية وَمن كمال حكمته سبحانه قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها اى قدر واظهر في عالم الطبيعة جميع ما يحتاج اليه أهلها من الرزق الصوري والمعنوي تتميما لتربيتهم وتكميلا لهم حسب نشأتهم كل ذلك صدر منه سبحانه فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يومين للنشأة الاولى المتعلقة بالظهور والبروز حسب استعدادها واتصافها ويومين للنشأة الاخرى المتعلقة بالكمون والبطون كذلك ولهذا قد كانت الأيام المذكورة سَواءً اى سبيلا سويا وطريقا مستقيما لِلسَّائِلِينَ المستكشفين عن مدة بروز عالم الطبيعة عن مكمن الغيب في النشأة الاولى وكذا عن ظهور النشأة الاخرى والطامة الكبرى عند رجوع الكل الى مبدئه

ثُمَّ اى بعد ما هبط ونزل من عالم الأسماء الى مهبط الطبيعة والهيولى متنازلا وصعد منها إليها متصاعدا اسْتَوى واستولى إِلَى السَّماءِ اى سماء الأسماء وتمكن عليها مستعليا مستغنيا فارغا عن الصعود والهبوط وَالحال انه هِيَ اى عالم الأسماء والصفات في أنفسها ايضا دُخانٌ حجاب بالنسبة الى صرافة الوحدة واطلاق الذات إذ لا يخلو عن شوب الكثرة المستلزمة لنوع من الكدورة وبعد ما استقر عليها سبحانه وتمكن فَقالَ لَها اى لسماء الأسماء والصفات وَلِلْأَرْضِ اى للطبيعة والهيولى إظهارا للقدرة الغالبة والسلطنة الشاملة ائْتِيا وتوجها نحو جنابنا منسلختين عن هوياتكما الباطلة ووجوداتكما العاطلة الزائلة طَوْعاً أَوْ كَرْهاً يعنى طائعتين او كارهتين حسب النشأتين المركوزتين في فطرتكما الاصلية إذ لا وجود لكما في أنفسكما وبعد ما سمعتا من النداء الهائل ما سمعتا قالَتا على وجه التضرع والتذلل حسب استعداداتهما النظرية وقابلياتهما الجبلية أَتَيْنا نحو بابك يا ربنا طائِعِينَ من اين يتأتى منا الكراهة لحكمك يا من لا وجود لنا الا منك ولا تحقق الا بك نعبد لك ونستعين منك على عبادتك إذ لا معبود لنا سواك ولا مقصود لنا غيرك وبعد ما اعترفتا بالعبودية طوعا والتزمتا بالاطاعة والانقياد رغبة

فَقَضاهُنَّ اى قدر وقضى سبحانه لإمدادهما سَبْعَ سَماواتٍ على عدد الصفات السبع التي هي أمهات الأسماء الإلهية فِي يَوْمَيْنِ اى يومى الظهور والبطون يوما لتحصيل المادة ويوما لتكميل الصورة وَبعد ما حكم وقضى سبحانه قد أَوْحى والهم فِي كُلِّ سَماءٍ من الأسماء أَمْرَها اى أمورها التي طلب منها ووضع لأجلها وَقال سبحانه بعد ما رتبها تتميما لتربيته وتكميلا للقدرة الكاملة الشاملة قد زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا اى القربى اى عالم الشهادة المشتملة على الآثار والأعمال الصادرة من المظاهر والاظلال بِمَصابِيحَ مقتبسة مسرجة من اشعة أنوار الذات وَجعلناها حِفْظاً اى وقاية ورقيبا واقيا لأرباب العناية من وساوس شياطين الأوهام والخيالات المترتبة

<<  <  ج: ص:  >  >>