للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ظلما وعدوانا كراهة هدايتهم وايمانهم ثُمَّ بعد ما فعلوا من الإفراط والإسراف لَمْ يَتُوبُوا الى الله ولم يرجعوا نحوه سبحانه عن ظلمهم ولم يستغفروا نحوه نادمين منه فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ الطرد والحرمان عن حضور الحنان المنان وَلَهُمْ ولحق بهم بسبب كفرهم بالله وانكارهم توحيده عَذابُ الْحَرِيقِ بدل ما فعلوا بالمؤمنين من إحراقهم في الأخاديد. ثم عقب سبحانه وعيدهم بوعد المؤمنين فقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق وَأكدوا ايمانهم حيث عَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقرونة بالإخلاص في القصد والنيات لَهُمْ عند ربهم جزاء لإيمانهم وأعمالهم تفضلا عليهم جَنَّاتٌ متنزهات العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى جداول المعارف والحقائق المنتشئة من بحر الحقيقة وبالجملة ذلِكَ الْفَوْزُ العظيم الشأن البعيد رفعة مكانته عن افهام الأنام هو الفوز الْكَبِيرُ والفضل العظيم الذي لا فوز أعظم منه وارفع. ثم أشار سبحانه الى تهديد اصحاب الضلال المنحرفين عن جادة الاعتدال مخاطبا لحبيبه صلى الله عليه وسلم فقال

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل واخذه بالعنف لعصاة عباده المائلين عن سبيل سداده وجادة رشاده لَشَدِيدٌ بحيث لا يقاس على شدة بطشه ومضاعف عذابه وانتقامه وكيف يطلق بطشه ويقاوم اخذه

وإِنَّهُ سبحانه هُوَ القادر الغالب الذي يُبْدِئُ ويظهر عموم المظاهر والموجودات من كتم العدم بالقدرة الكاملة الغالبة ثم يخفيها ويعدمها كلها ايضا بكمال قدرته وَيُعِيدُ ويخرجها في فضاء الظهور مرة بعد اخرى بمقتضى قدرته واختياره فكيف يقاوم ويقاس شيء مع قدرته سبحانه هذه وكيف يطيق احد ان يقوم بمعارضته تعالى شأنه في حكمه وينازع سلطانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسئل عن فعله انه حكيم مجيد

وَهُوَ سبحانه ايضا بمقتضى سعة جوده ورحمته الْغَفُورُ الستار المحاء لذنوب من تاب ورجع نحوه مخلصا نادما وان كبرت وكثرت فان رحمته أوسع منها واشمل الْوَدُودُ المحب لإخلاص المذنبين وتوبة المستغفرين وفراغة الخائبين المخبتين المستحيين من الله النادمين على ما صدر عنهم وقت الغفلة والغرور وكيف لا يود ولا يغفر سبحانه مع انه

ذُو الْعَرْشِ إذ هو المستوي على عروش عموم ما ظهر وبطن بالاستيلاء التام والاستقلال الكامل الْمَجِيدُ العظيم في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله إذ لا وجود سواه ولا كون لغيره فظهر انه

فَعَّالٌ بالاستقلال والاختيار لِما يُرِيدُ إذ جميع الأفعال الجارية في ملكه وملكوته صادر عنه باختياره بلا شركة فيها ومظاهرة إذ لا يجرى في ملكه الا ما يشاء بمقتضى علمه الشامل وحكمه الكامل سواء كان انعاما او انتقاما. ثم أشار سبحانه الى تسلية حبيبه صلى الله عليه وسلم وحثه على الصبر على اذيات قومه وتكذيبهم إياه مكابرة فقال

هَلْ أَتاكَ اى قد أتاك ووصل إليك وثبت ذلك عندك يا أكمل الرسل بالتواتر حَدِيثُ الْجُنُودِ اى اخبار الأمم السالفة وقصة تكذيبهم للرسل السابقة والكتب السالفة وانتقامنا منهم بعد ما بلغت اذياتهم للرسل غايتها سيما حديث

فِرْعَوْنَ الطاغي الباغي وملائه كيف كذبوا أخاك موسى الكليم عليه السلام وكيف قصدوا مقته وإهلاكه مرارا وكيف انتقمنا منهم واستأصلناهم وَثَمُودَ المردود كيف كذبوا أخاك صالحا عليه السلام وكيف انتقمنا منهم تذكر يا أكمل الرسل قصصهم مع رسلهم وما جرى عليهم من لدنا وبالجملة فاصبر يا أكمل الرسل على ما اصابك من قومك فان ذلك من عزم الأمور فسننتقم منهم ايضا مثل ما انتقمنا من الأمم السالفة الهالكة

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا بك وبكتابك فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>