للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهالكة الا وقد كتبنا أولا في لوح القضاء وحضرة العلم لإهلاكها أجلا معلوما ووقتا معينا

بحيث ما تَسْبِقُ وما تتقدم مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها الذي قد عين لإهلاكها وَما يَسْتَأْخِرُونَ عنه بل متى وصلوا اليه هلكوا حتما بحيث لا يسع لهم التقديم والتأخير أصلا ولا يجرى فيه التقدم والتأخر مطلقا

وَكيف لا نهلكنهم ولا نعذبنهم باشد العذاب ولا ننتقم عنهم إذ هم قالُوا حين دعوتك إياهم والقائك إليهم شعائر الايمان والإسلام منادين لك مستهزئين معك متهكمين يا أَيُّهَا النبي الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ من عند ربه الذِّكْرُ والكتاب المبين له أمثال هذه الكلمات التي نسمع منك إِنَّكَ في دعوتك هذه وادعائك النبوة والكتاب لَمَجْنُونٌ مخبط مختل العقل يخبطك الجن ويعلمك أمثال هذه الكلمات والحكايات فتخيلت أنت انهم ملائكة ينزلون إليك بها وبأمثالها وان اطلعت أنت على الملائكة وصاحبت معهم مع انك بشر مثلنا

لَوْ ما وهلا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ المنزلين إليك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك هذه حتى نريهم ونسمع منهم قولهم مثل رؤيتك إياهم وسماعك منهم

قل يا أكمل الرسل نيابة عنا ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ لكل احد من البشر بل لمن نؤتى الحكمة له في اصل فطرته واستعداده وهم الأنبياء والرسل المأمورون بالإرشاد والتكميل وما ننزلهم إِلَّا تنزيلا ملتبسا بِالْحَقِّ اى بالدين الثابت الجازم المطابق للواقع ليتدين بدينهم من يتبعهم ويؤمن لهم اطاعة وانقيادا ولو اطلع الكل على نزولهم ورأوا صورهم لبطل حكمة الإرسال والإطاعة والتكميل إذ الكل في الرشد والهداية على السواء حينئذ وَايضا ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ منتظرين الى يوم الجزاء إذ الكل ح ناجون مهديون في النشأة الاولى

وبالجملة إِنَّا نَحْنُ حسب حكمتنا المتقنة قد نَزَّلْنَا الذِّكْرَ اى الكتب والصحف على الأنبياء والرسل على وجه يعجز البشر عن إتيان مثله لكون ألفاظه ومعانيه ومعلوماته ونظمه واتساقه خارجة عن مقتضيات مداركهم وعقولهم لذلك ينسبون اكثر الأنبياء والرسل الى الجنون والخبط والاختلال وَمع ذلك إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ عن تحريف اهل الزيغ والضلال المنحرفين عن جادة التوحيد والاعتدال

وَبالجملة لا تحزن يا أكمل الرسل من استهزائهم بك وتكذيبهم فانه من الديدنة القبيحة القديمة بين اصحاب الضلال فانا لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رسلا وقت شيوع الفسوق والعصيان فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ فرقهم وفئتهم

وَهم من خبث طينتهم وشدة شكيمتهم وضغينتهم ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ بأنواع الاستهزاء من نسبة الكذب والجنون واصناف العيوب

وبالجملة كَذلِكَ نَسْلُكُهُ وندخله نحن بمقتضى حكمتنا فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ الذين قد تعلقت ارادتنا وجرت مشيتنا باهلاكهم وتعذيبهم بمقتضى اوصافنا القهرية الجلالية

لذلك لا يُؤْمِنُونَ بِهِ اى بالرسول المرسل والكتاب المنزل إليهم وكيف يؤمن بك يا أكمل الرسل هؤلاء الكفرة وَقَدْ خَلَتْ ومضت سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ اى سنة الله في الكفرة الماضين او سنة كل فرقة من أسلافهم وهم ايضا على أثرهم وطبقهم تقليدا لهم

وَمن خبث طينتهم ونهاية قسوتهم وغفلتهم لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ اى على هؤلاء المستهزئين المنهمكين في الغي والعناد باباً مِنَ السَّماءِ على خلاف العادة المستمرة ليؤمنوا بك وبدينك وكتابك فَظَلُّوا فِيهِ وصاروا يَعْرُجُونَ ويصعدون منه نحو السماء بحيث يستوضحون ما فيها

لَقالُوا البتة من شدة غيهم وضلالهم ونهاية جهلهم وانكارهم المركوز في فطرتهم إِنَّما سُكِّرَتْ وتحيرت أَبْصارُنا بسحر محمد وتلبيسه انما فعل بنا هذا لنؤمن له ونصدق قوله وكتابه

<<  <  ج: ص:  >  >>