للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عباده وامتنانا لهم الْجَوارِ اى سفن الملل والأديان المنزلة من عنده سبحانه على عموم الرسل والأنبياء ليرشدوا بها أممهم الى طريق التوحيد والعرفان الْمُنْشَآتُ المصنوعات المستحدثات فِي الْبَحْرِ اى بحر الوجود كَالْأَعْلامِ اى كالرواسى العظام التي يعلم ويشاربها للتائهين في بيداء الوجود الضالين في صحراء الجحود الى جادة اليقين والعرفان

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ايها المكلفان وبالجملة

كُلُّ مَنْ عَلَيْها اى على ارض القوابل والهيولى من التعينات المستتبعة لانواع الإضافات الحاصلة من موجات بحر الوجود وتجلياته بمقتضى الكرم والجود انما هو فانٍ لا وجود ولا تحقق لها في ذواتها أصلا سوى انها قد انبسط عليها اظلال الأسماء والصفات الإلهية

وَبعد فناء نقوش الأمواج والاظلال بأسرها يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ يا أكمل الرسل بمقتضى صرافة وحدته مستغنيا في ذاته عن عموم مظاهره ومخلوقاته إذ هو سبحانه ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ في حد ذاته لا يشارك في وجوده ولا ينازع في سلطانه فمآل الكل اليه كما ان مبدأه منه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وإذا كان شأنه سبحانه هذا وهكذا

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ايها الاظلال والعكوس الهلكى وبالجملة

يَسْئَلُهُ ويستمد منه في كل زمان وآن ويستظل تحت ظل وجوده وجوده كل مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من فواعل المظاهر وقوابلها إذ كُلَّ يَوْمٍ وآن هُوَ سبحانه فِي شَأْنٍ لا يسبقه شأن ولا يلحقه شأن مثله فكل من المظاهر الإلهية في كل آن وطرفة في نزع صورة ولبس اخرى حسب شئون الحق وسرعة نفوذ قضائه

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ايها المجبولان على فطرة الدراية والشعور. ثم لما عد سبحانه على عموم المكلفين نبذا من نعمه العظام على سبيل التنبيه والامتنان أراد أن يشير إليهم وينبه عليهم بالقيام على أداء حقوقها ومواظبة شكرها لئلا ينفعلوا من الله ولا يستحيوا عند العرض والحساب في يوم الحشر والجزاء فقال

سَنَفْرُغُ لَكُمْ اى نتجرد ونخلو لحساب أعمالكم وتنفيذ جزائكم عليها بمقتضيها أَيُّهَ الثَّقَلانِ المثقلان بشكر نعمتنا وأداء حقوق كرمنا ومتى سألنا كما عن اعمالكما

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وتنكران مع انا ما خفى علينا شيء من أعمالكم مطلقا لا من كفركم وكفرانكم ولا من شكركم وايمانكم. ثم قال سبحانه مناديا لهم على وجه التوبيخ والتهديد

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ المجبولين على فطرة التكليف المثمرة لثمرة المعرفة واليقين عليكم ان تنقادوا وتطيعوا بعموم ما كلفتم به بمقتضى الحكمة البالغة والا إِنِ اسْتَطَعْتُمْ وقدرتم أَنْ تَنْفُذُوا وتخرجوا فارين عن مقتضيات قهرنا وغضبنا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى من جهات العلويات والسفليات وانحائهما فَانْفُذُوا واخرجوا مع انكم لا تَنْفُذُونَ ولا تقدرون على الخروج ان وقع إِلَّا بِسُلْطانٍ منا اى بقدرة وأقدار موهوبة لكم من قبل ربكم إذ لا يصدر منكم مطلق الأفعال والحركات الا باقداره وتمكينه سبحانه

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وكيف تنفذون وتفرون من حيطة قهره وجلاله إذ

يُرْسَلُ عَلَيْكُما في النشأة الاخرى جزاء لأعمالكم شُواظٌ لهب مشتعل مِنْ نارٍ موقدة مسعرة وَنُحاسٌ اى دخان مظلم حاصل منهما وبالجملة فَلا تَنْتَصِرانِ وتمتنعان عنهما بحولكما وقوتكما الا بعناية ناشئة من الله وفضل يدرككم من لدنه

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فعليكم ان تشكروا آلاء الله وتواظبوا على أداء حقوق نعمائه قبل حلول يوم الجزاء

فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ واندكت الأرض من خشية الله ورهبته فَكانَتْ السماء من الغضب الإلهي وَرْدَةً حمراء

<<  <  ج: ص:  >  >>