للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعلق ارادته ومشيته سبحانه باتيانك وإحضار ما صدر عنك من الأفعال والآثار وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المطلع على مطلق السرائر والخفايا لَطِيفٌ لا يحجبه حجب ولا يمنعه سدل خَبِيرٌ ذو خبرة تامة يعلم كنه الأشياء وان دقت ورقت ولا يكتنه ذاته مع انه اظهر وأبين في ذاته من عموم مظاهره ومصنوعاته بل ظهور عموم المظاهر فرع ظهوره وعكس نوره وبعد ما سمعت

يا بُنَيَّ وصف ربك وحيطة علمه وشمول قدرته ولطافة اطلاعه وخبرته أَقِمِ الصَّلاةَ وأدم ميلك نحوه بجميع أركانك وجوارحك مخلصا في ميلك ورجوعك اليه سبحانه محرما على نفسك جميع ما يشغلك عن ربك مجردا مصفيا عاريا قلبك عن عموم منسوباتك ومقتضيات بشريتك ولوازم هويتك وَأْمُرْ يا بنى على بنى نوعك أولا ان قصدت تكميلهم وإرشادهم الى مقصد التوحيد بِالْمَعْرُوفِ المستحسن عقلا وشرعا وكلم معهم على قدر عقولهم بلا إغراء ولا إغواء ولا تفش عليهم سر التوحيد ما لم يستحقوا لفهمه وحفظه ولم يستعدوا لقبوله وَانْهَ ايضا عَنِ الْمُنْكَرِ المستهجن عقلا وشرعا عادة ومروءة ونبههم على وجوه القبيح والهجنة والطف معهم في تبيينه لعلهم يتفطنون بقبحه بمقتضى فطرتهم وفطنتهم التي قد فطروا عليها في بدء الأمر وَبالجملة اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ في تمشية سلوك التوحيد وتقوية طريقه وكن متحملا على مشاق الطاعات ومتاعب العبادات وارض من ربك بجميع ما جرى عليك وثبت لأجلك في لوح قضائه وحضرة علمه إِنَّ ذلِكَ المذكور اى كل واحد من الأمور المذكورة والخصائل المأمورة لك انما هو مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ اى من الأمور التي قد عزم الحق عليها وأوجبها على ذوى العزائم الصحيحة من خلص عباده إرشادا لهم الى وحدة ذاته وزلال هدايته الصافية عن كدر مطلق الضلالات والجهالات

وَكن يا بنى في تمدنك ومعاشرتك مع بنى نوعك لينا ملينا بشاشا بساما ولا تُصَعِّرْ اى لا تمل ولا تعرض ولا تصرف بحال من الأحوال ووقت من الأوقات خَدَّكَ وصفحة وجهك التي بها مواجهتك لِلنَّاسِ ولا تلو عنقك عنهم كبرا وخيلاء كما يفعله ارباب النخوة من الجهلة المستكبرين المتفوقين على الأقران المفتخرين بما عندهم من المال والجاه والثروة والسيادة النسبية ولا سيما اصحاب العلوم الرسمية والفضائل الكسبية من الاعتبارات الحكمية والعويصات الفلسفية والحيل الفقهية على الفقراء والضعفاء الفاقدين لها العارين عن تلك المكدرات الظلمانية مع ان صفاء قلوب هؤلاء الفقراء اكثر وأوفر من قلوب أولئك المتكبرين المفتخرين بما معهم من موجبات النخوة وَبالجملة لا تَمْشِ يا بنى فِي الْأَرْضِ التي قد بسطت للتذلل والانكسار مَرَحاً ذا فرح وسرور مفتخرا بما عندك من الحطام الفانية او العلوم الرسمية الدينية او الرياسة النسبية إِنَّ اللَّهَ المتعزز برداء العظمة والكبرياء لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ يمشى على وجه الأرض خيلاء بحيث يتبادر منه الكبر والنخوة في بادى النظر فَخُورٍ بما عنده من الحسب والنسب والجاه والمال بطر بها مباه بسببها

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وتوسط يا بنى واعتدل في مشيك بين الاسراع المذهب بهاء المؤمن ووقاره وبين الدبيب الموجب للعجب والخيلاء وَاغْضُضْ ايضا مِنْ صَوْتِكَ وانقص منه ولا ترفع وان كان حسنا يستحسنه السامعون فإنك بقصدك رفعة صوتك مبالغا فيها تشبه الحمار إذ هو مخصوص من بين سائر الحيوانات بترفيع الصوت والمبالغة فيه ومن بالغ في رفع صوته وان كان حسنا مرغوبا مقبولا فقد أشبه نفسه به ولا شك ان صوت الحمار

<<  <  ج: ص:  >  >>