للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنسان بخلافته وأنعم عليهم التخلق بأخلاقه والاتصاف بأوصافه الرَّحْمنِ عليهم حيث أظهرهم بأحسن التقويم واعدله الرَّحِيمِ لهم بإصلاح مفاسدهم وتحسين مقابحهم لئلا ينحطوا عن رتبة خلافته ونيابته هذه

[الآيات]

سُورَةٌ عظيمة وسفر جليل وآيات كريمة قد أَنْزَلْناها من مقام فضلنا وجودنا عليك يا أكمل الرسل تأييدا لنبوتك ورسالتك وترويجا لدينك وملتك وَفَرَضْناها اى قد أوجبنا الاحكام التي ذكرنا فيها وقدرنا الحدود المقررة في ضمنها والزمناها عليك وعلى من تبعك من المؤمنين تهذيبا لظواهرهم وبواطنهم وَبالجملة أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ عظاما دالة على وحدة ذاتنا وكمال اقتدارنا على وجوه الانعام والانتقام مع كونها بَيِّناتٍ واضحة الدلالات لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وتتعظون بها فتتركون ما يوجب مقتكم وهلاككم وتتوجهون الى ما جبلتم لأجله

ثم أخذ سبحانه بتطهير المؤمنين وتهذيبهم عما لا يليق بشأنهم سيما في افحش الفواحش وأقبح الآثام فقال

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي اى حكمهما وحدهما فيما فرضناها وقدرناها لكم حتما ايها المؤمنون الجلد قدم سبحانه الزانية لان وقوع الزنا في الأعم الأغلب انما يحصل من جانبهن ومن عرضهن النفس والزنية على الرجال وبعد ما سمعتم ايها الحكام الحد والحكم فيهما فَاجْلِدُوا بعد ثبوت الزنا بينهما على الوجه المفصل في علم الاحكام وهما غير محصنين إذ حكم المحصنين مطلقا بالإجماع رجم كل منهما ان كانا محصنين او رجم أحدهما ان كان الآخر غير محصن والمحصن هو المسلم الحر العاقل البالغ الذي قد وقع منه الوقاع بنكاح صحيح كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ اى مائة ضربة بسوط مؤلم بجلدة أشد إيلام بدل ضرابات قد استلذ بها حال الوقاع وزاد الامام الشافعى رحمه الله على جلد المائة تغريب العام إذ هو احوط وادخل في الانزجار لقوله عليه السلام البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وَلا تَأْخُذْكُمْ ايها الحكام سيما وقت اجرائكم الحدود والاحكام بِهِما رَأْفَةٌ رقة ورحمة تضيعون بها حكمة الحد إذ لا رأفة فِي دِينِ اللَّهِ وفي تنفيذ أحكامه وحدوده على من خرج عن مقتضى العدل القويم والشرع المستقيم الإلهي إِنْ كُنْتُمْ ايها الحكام المقيمون للحدود والاحكام بين الأنام تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وبعموم ما جاء من عند الله سبحانه من الأوامر والنواهي وجميع الحدود والاحكام الموضوعة من لدنه على مقتضى الحكمة المتقنة وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي فيه تبلى السرائر وتكشف الضمائر فلكم ان تقيموا حدود الله على الوجه الذي أمرتم بها لئلا تؤاخذوا في يوم الجزاء وَلْيَشْهَدْ وليحضر وليبصر حين اجراء الحد عليهما عَذابَهُما طائِفَةٌ وجمع كثير مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المعتبرين تفضيحا لهما وتشهيرا لامرهما لينزجر مما جرى عليهما من في قلبه ميل الى ما أتيا به من الفعلة القبيحة والديدنة الشنيعة

ثم أشار سبحانه الى قبح مناكحتهما وشناعة الفتهما ومواصلتهما على وجه المبالغة في النهى والكراهة فقال الزَّانِي اى الذي يرغب ويميل الى عورات المسلمين بلا رخصة شرعية متعديا عن حدود الله وهتكا لستره وحرمته لا يَنْكِحُ ان نكح إِلَّا زانِيَةً مثله مناسبة له مشاكلة إياه إذ الجنسية علة الالفة والتضامّ أَوْ مُشْرِكَةً هي اخس وأخبث وأشد قبحا وشناعة منها وَالزَّانِيَةُ الراغبة للأجانب المائلة إليهم بلا طريق شرعي لا يَنْكِحُها ايضا إِلَّا زانٍ كذلك لكمال الملايمة والمشابهة أَوْ مُشْرِكٌ هو أخبث وأقبح منه وَبالجملة قد حُرِّمَ ذلِكَ الفعل القبيح والخصلة الذميمة الشنيعة حرمة مؤبدة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الموقنين المخلصين من ارباب العزائم ونهى عن اهل الرخص منهم نهيا متناهيا الى حد النفي والحرمة

ثم قال سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>