للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قبورهم جَمِيعاً بحيث لا يشذ منهم احد فَيُنَبِّئُهُمْ ويخبرهم بِما عَمِلُوا اى بعموم أعمالهم وأفعالهم تفضيحا لهم وتشهيرا على رؤس الاشهاد بحيث قد أَحْصاهُ اللَّهُ المحصى العليم وفصله عليهم على وجه لا يغيب عن حيطة علمه وإحصائه شيء من عملهم وَهم قد نَسُوهُ لكثرة تهاونهم به وَكيف لا يحصى سبحانه عليهم أعمالهم إذ اللَّهُ بمقتضى ألوهيته وحيطة ذاته وأوصافه عَلى كُلِّ شَيْءٍ من مظاهره شَهِيدٌ حاضر غير مغيب عنه

أَتستبعد شهادته سبحانه وحضوره عند عموم مظاهره ومصنوعاته ولَمْ تَرَ ايها المعتبر الرائي ولم تعلم أَنَّ اللَّهَ المحيط بالكل بالالوهية والظهور يَعْلَمُ بعلمه الحضوري عموم ما فِي السَّماواتِ اى الكائنات العلوية وَما فِي الْأَرْضِ اى الكائنات السفلية كلياتهما وجزئياتهما محسوساتهما ومعقولاتهما بحيث ما يَكُونُ يوجد ويقع مِنْ نَجْوى وسر معهود بين ثَلاثَةٍ يسرون بها ويضمرونها في نفوسهم إِلَّا هُوَ سبحانه رابِعُهُمْ بل هو اعلم منهم بنجويهم واعرف بما في ضمائرهم منهم بل هو العالم حقيقة وَلا خَمْسَةٍ وكذا لا يقع نجوى بين خمسة مكنونة في ضمائرهم مصونة عن من سواهم إِلَّا هُوَ سبحانه سادِسُهُمْ بل علمه بها أتم وأكمل من علمهم وَبالجملة لا يقع أَدْنى مِنْ ذلِكَ الجمع المذكور وَلا أَكْثَرَ منه إِلَّا هُوَ سبحانه مَعَهُمْ بل هو العالم بذاته وبمقتضى وحدته الا انه قد ظهر في أشباحهم وهوياتهم لا على سبيل المقارنة الذاتية والزمانية ولا على سبيل الاتحاد والحلول بل بطريق معية الظل مع ذي الظل ومعية الأمواج مع الماء والصور مع ذي الصورة في المرايا ولا يقيد ايضا معيته بالمكان بل أَيْنَ ما كانُوا قد كان معهم لاستواء عموم الأمكنة والازمنة بلا تحيز وحلول وقيام ونزول وبالجملة يعلم سبحانه منهم جميع ما صدر عنهم لكن لم يطلعهم بعلمه إياهم لئلا يبطل حكمة التكاليف الواقعة منه سبحانه بالنسبة الى عموم عباده ثُمَّ بعد انقضاء أوان التكليف وانقراض نشأة الاختبار يُنَبِّئُهُمْ سبحانه بِما عَمِلُوا اى يخبرهم بعموم أعمالهم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال وترتيب الجزاء الموعود عليها تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحق ويليق بهم من العذاب والنكال لئلا يكون لهم على الله حجة ولا ينسبونه سبحانه الى الظلم حين الأخذ إذ الإنسان مجبول على الجدال والمراء بل هو اكثر شيء جدلا وبالجملة أَنَّ اللَّهَ المطلع على عموم ما كان ويكون غيبا وشهادة ظاهرا وباطنا بِكُلِّ شَيْءٍ لمع عليه برق الوجود عَلِيمٌ بعلمه الحضوري لا يعزب عن حيطة علمه شيء. ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع للمنافقين

أَلَمْ تَرَ ايها المعتبر الرائي إِلَى المنافقين الَّذِينَ نُهُوا ومنعوا عَنِ النَّجْوى والتغامز فيما بينهم بالعيون والحواجب حين جلسوا في مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع المؤمنين فمنعهم صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ إصرارا ومكابرة وَهم يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ الموجب للحد الشرعي وَالْعُدْوانِ عن الأوضاع الشرعية الموضوعة على منهج العدالة وَمَعْصِيَةِ- الرَّسُولِ وتكذيبه والاعراض عنه وعن دينه مهما أمكن لهم وَبالجملة هم من شدة شكيمتهم وغلظ غيظهم وضغينتهم إِذا جاؤُكَ يا أكمل الرسل حَيَّوْكَ على وجه النفاق بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ فيقولون السام عليك او أنعم صباحا مع ان الله سبحانه يقول سلام على عباده الذين اصطفى وَبعد ما حيوك حسب اهوائهم الفاسدة وقصدوا مقتك في تحيتهم يَقُولُونَ حينئذ فِي أَنْفُسِهِمْ ونجواهم على سبيل التهكم والاستهزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>