للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعطاء وبالجملة إِنَّهُ اى الشأن والأمر حسب ارادة الله سبحانه وبمقتضى عدله وحكمته لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الخارجون عن مقتضى الحدود الإلهية ولا يفوزون بما فاز به المتقون من المثوبة العظمى والدرجة العليا

وَبعد ما قد أتم موسى كلامه الصادر من محض الحكمة قالَ له فِرْعَوْنُ مستكبرا عليه مستحيا عمن حوله من الأنام لئلا ينسبوه الى العجز والافحام مناديا لهم على سبيل العظمة والكبرياء يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ يعبد بالحق ويستحق للعبادة غَيْرِي ومن اين يدعى هذا الكذاب ان في السماء الها سواي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ يعنى مر يا هامان للعملة على الفور ان يتخذوا من الطين لبنا ويوقدوها بالنار حتى صارت متحجرة آجرا فَاجْعَلْ لِي وابن لي منها صَرْحاً رفيعا وقصرا مشيدا منيعا سمكه متصل الى السماء فاستعلى انا عليها لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى فان اقبل بالقتال اغلب عليه واحطه على الأرض صاغرا مهانا وَبالجملة إِنِّي لَأَظُنُّهُ في هذه الدعوى مِنَ الْكاذِبِينَ القائلين بقول لا منشأ له في الواقع ولا اصل ولا مستند له لا في العقل ولا في العادة قيل قد بنى رصدا ليطلع على نظرات الكواكب هل يجد فيها نظرا يدل على زوال دولته باستيلاء موسى عليه

وَمن غاية غفلته وسكرته ونهاية عمهه وقسوته قذ اسْتَكْبَرَ هُوَ اى فرعون اصالة وَجُنُودُهُ ايضا تبعا له إذ هم على دين ملكهم وطوره فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ والاستحقاق وترقوا في عتوهم وعنادهم الى ان قد ظهروا على الله بأمثال هذه الهذيانات الباطلة وَظَنُّوا بل تيقنوا وجزموا بالاقدام والجرأة على أمثال هذه الخرافات أَنَّهُمْ بعد انخلاعهم عن لوازم عالم الناسوت إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ رجوع الاظلال الى الأضواء المنعكسة من شمس الذات وصور الأمواج الحادثة على سطح الماء الى الماء وبعد ما بالغوا في العتو والعناد وظهروا على وجه الأرض بأنواع الجور والفساد

فَأَخَذْناهُ اى فرعون حسب قهرنا وجلالنا إياه وَجُنُودَهُ ايضا بأنواع العذاب فَنَبَذْناهُمْ اى قد طرحنا الكل فِي الْيَمِّ وغطيناهم بالماء واغشيناهم مثل غشى وجوداتهم الباطلة بالوجود المطلق البحث الإلهي فَانْظُرْ يا أكمل الرسل وتأمل كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ومآل أمرهم وما يئول اليه حالهم وشأنهم

وَمن كمال ابتلائنا إياهم ومكرنا معهم قد جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً وقدوة للضلال المستوجبين بأنواع الخسار والبوار بحيث يَدْعُونَ من تبعهم ويقتفى أثرهم إِلَى النَّارِ اى اسبابها وموجباتها إذ مآل الكل إليها تابعا ومتبوعا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ اى لا يدفع عنهم العذاب ولا يخفف بشفاعة احد

وَكيف ينصرون أولئك الضلال الهالكون في تيه الضلال مع انا قد أَتْبَعْناهُمْ والزمنا عليهم فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً مستمرة جارية على ألسنة من على الأرض وَيَوْمَ الْقِيامَةِ المعد للجزاء هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ المطرودين عن ساحة عز القبول والحضور المسوقين بسياط العنف والجبر نحو جهنم البعد والخذلان صاغرين مهانين

وَبعد ما قد نبذنا فرعون وجنوده في اليم لَقَدْ آتَيْنا وأعطينا مُوسَى الكليم الْكِتابَ العظيم اى التوراة المحتوية الجامعة على ظواهر الاحكام مِنْ بَعْدِ ما قد أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى واستأصلنا آثارهم وأحكامهم بحيث لم يبق حينئذ من شرائع المتقدمين وضوابطهم وقواعدهم وحدودهم وأحكامهم شيء بين الأنام كنوح وهود وصالح وابراهيم وغيرهم صلوات الرحمن عليهم دائما وانما آتيناه ليكون بَصائِرَ لِلنَّاسِ يعنى ينور باحكامه وأوامره عيون بصائرهم ويستيقظون به عن منام الجهل والغفلة ويشتغلون بسببه لطلب الحق وَهُدىً يهديهم الى

<<  <  ج: ص:  >  >>