للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه راجع الى إصلاح حاله في معاشه ومعاده وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها اى رجع وبال اساءتها ايضا على نفسها وَبالجملة ما رَبُّكَ المنزه في ذاته عن اطاعة المطيع وعصيان العاصي بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ اى لا ينقص من أجور المطيعين ولا يزيد على جزاء العاصين بل يتفضل على اهل الطاعة فوق ما استحقوا بأعمالهم أضعافا وآلافا عناية منه وفضلا ويقتصر على اصحاب المعصية والضلال بجزاء ما اقترفوا لأنفسهم عدلا منه وقهرا وكيف لا يتفضل سبحانه على ارباب العناية ولا يعدل على اصحاب الغواية إذ إِلَيْهِ لا الى غيره من اظلال الوسائل والأسباب

يُرَدُّ ويرجع عِلْمُ السَّاعَةِ اى العلم المتعلق بوقت قيامها وكيفية ما جرى فيها من الأهوال والافزاع إذ هي من جملة الغيوب التي قد استأثر الله بها ولم يطلع أحدا عليها وَايضا يرجع على علمه سبحانه ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ اى أجناس الثمار مع اختلاف أنواعها وأصنافها حتى تخرج مِنْ أَكْمامِها اى أوعيتها التي فيها أنوارها وازهارها الحاصلة منها الأثمار إذ هي ايضا من جملة الأمور الغيبية المستأثر بها سبحانه وَكذا ما تَحْمِلُ وتحبل مِنْ أُنْثى اى قوابل الحمل والحبل وَلا تَضَعُ حملها بمكان من الأمكنة إِلَّا بِعِلْمِهِ سبحانه وحضوره إذ هو العالم لا غيره بما في الأرحام وبمدة بقائه فيها وخروجه منها لا اطلاع لاحد عليها وَاذكر يا أكمل الرسل لمن أشرك بالله واثبت الوجود لغيره وأجاز الشركة في ألوهيته وربوبيته عدوانا وظلما يَوْمَ يُنادِيهِمْ الله حين أراد الانتقام عنهم موبخا لهم ومقرعا إياهم أَيْنَ شُرَكائِي الذين تزعمون أنتم شركتهم معى وشفاعتهم لدى احضروهم لينجوكم من عذابي ويشفعوا لكم عندي وبعد ما سمعوا النداء الهائل المهول قالُوا متأسفين متحزنين آذَنَّاكَ وقد أعلمناك يا مولانا اليوم وان كنت أنت اعلم منا بحالنا انا ما مِنَّا اى ما احد منا اليوم مِنْ شَهِيدٍ ليشهد على شركة شركائنا الذين قد ادعينا شركتهم معك ظلما وزورا

وَبعد ما تقولوا من شدة الأسف ونهاية الحسرة والضجرة قد ضَلَّ عَنْهُمْ وغاب عن بصائرهم وأبصارهم ما كانُوا يَدْعُونَ ويعبدون اليه مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا بل تيقنوا حينئذ ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ مهرب ومخلص من عذاب الله وبالجملة تندموا وما ينفعهم الندم ورجعوا الى الله حينئذ وما يفيدهم رجوعهم لانقضاء نشأة التدارك والاختبار ومن العادة القديمة والديدنة المستمرة انه

لا يَسْأَمُ اى لا يمل ولا يفتر الْإِنْسانُ المجبول على جلب الإحسان مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ لنفسه وجذب المنفعة نحو ذاته بل صار ابدا حريصا عليها مولعا لاقتنائها وجمعها وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ ولحق به الضر في حين من الأحيان فَيَؤُسٌ من قدرة الله على رفع الضر عنه وجلب النفع إياه مع انه قد أزال عنه مرارا قَنُوطٌ من فضل الله ومن سعة رحمته وجوده

وَمن غاية يأس الإنسان وشدة قنوطه عن مقتضى فضلنا وجودنا لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً ووفرناها عليه بحيث تسرى في جميع اجزائه مع كونها تفضلا مِنَّا إياه بلا استحقاق من جانبه واقتراف من لدنه غاية ما في الباب انها فائضة عليه موهوبة إياه مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ولحقت إياه اوائلها إذ المساس يحصل بمجرد الملاقاة لَيَقُولَنَّ معرضا عن الله هذا لِي وانا استحق بها لاحتمالى الشدائد ولكمال فضلي ووفور عملي او هذالى بمقتضى ذاتى وَبالجملة ما أَظُنُّ السَّاعَةَ الموهومة الموعودة قائِمَةً آتية وَلَئِنْ فرضت وقوعها وقيامها على الوجه الذي زعم الرسل المدعون ونطقت به الكتب المزورة المفتراة ورُجِعْتُ إِلى رَبِّي كما زعموا إِنَّ لِي قد حق وثبت لي عِنْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>