للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعظمة والكبرياء عَزِيزاً غالبا على عموم مراداته ومقدوراته بلا معاونة احد ومظاهرته حَكِيماً في أفعاله المتقنة يدبرها بالاستقلال وفق حكمته البالغة كيف يشاء. ثم قال سبحانه في مقام الامتنان لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم إظهارا لكمال قدرته الشاملة وحكمته الكاملة

إِنَّا من مقام عظيم جودنا قد أَرْسَلْناكَ يا أكمل الرسل شاهِداً على عموم عبادنا تشهد لهم عند عموم ما صدر عنهم من الصالحات الجالبة لانواع المثوبات والكرامات وَمُبَشِّراً تبشرهم برفع الدرجات والفوز بالسعادات وَنَذِيراً تنذرهم عن الدركات العائقة عن الوصول الى جنة الذات التي دونها تجرى بحر الحياة كل ذلك

لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وتذعنوا بتوحيده وَرَسُولِهِ اى تصدقوا برسوله الذي قد أرسل إليكم من عنده سبحانه وَبعد اتصافكم بكمال الايمان والإذعان تُعَزِّرُوهُ وتعظموه سبحانه اى تعتقدوا ان الحول والقوة لله جميعا بحيث لا حول ولا قوة لسواه مطلقا وَبعد ما اعتقدتموه كذلك تُوَقِّرُوهُ وتعظموه حق تعظيمه وتكريمه وَبعد ما وقرتموه وعظمتموه كما ينبغي ويليق بشأنه تُسَبِّحُوهُ وتنزهوه عما لا يليق بجنابه بُكْرَةً وَأَصِيلًا اى في عموم أوقاتكم واصيلاتكم إذ لا يتأتى منكم بالنسبة الى جنابه سبحانه الا التفويض والتعظيم والتنزيه والتقديس والا فما للتراب ورب الأرباب ان يتكلموا عن ذاته وصفاته سوى ان يخوضوا في لجة بحر توحيده ويبهتوا في ببداء ألوهيته حتى يفنوا في فضاء صمديته إذ لا اله الا هو ولا شيء سواه وكل شيء هالك الا وجهه. ثم قال سبحانه بلسان الجمع على سبيل الإرشاد والتكميل

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يا أكمل الرسل ويختارون متابعتك ويستهدون من هدايتك وارشادك إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ الذي استخلفك عليهم وجعلك نائبا عن ذاته فيما بينهم فعليهم ان لا ينقضوا العهد والبيعة التي عهدوا معك ابدا وكيف يسع لهم المنقض مع ان يدك يَدُ اللَّهِ وقبضتك قبضة قدرته الغالبة ولا شك انها فَوْقَ أَيْدِيهِمْ مستعلية عليهم فَمَنْ نَكَثَ ونقض البيعة والعهد مع رسوله فَإِنَّما يَنْكُثُ وينقض عَلى نَفْسِهِ اى ما يعود وبال نقضه الا عليه وَمَنْ أَوْفى وحفظ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ ألا وهو معاهدتهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخلافته صلّى الله عليه وسلّم عنه سبحانه فَسَيُؤْتِيهِ جزاء للوفاء أَجْراً عَظِيماً هو الفوز بشرف اللقاء والتحقق لدى المولى

سَيَقُولُ لَكَ يا أكمل الرسل على سبيل الاعتذار الْمُخَلَّفُونَ اى المنافقون الناقضون للعهود المتخلفون عن الجهاد مِنَ الْأَعْرابِ المجبولين على الكفر والنفاق قد شَغَلَتْنا عن متابعتك ومشايعتك أَمْوالُنا وَأَهْلُونا إذ ليس لهم متعهد سوانا لذلك قد حرمنا عن صحبتك وعن اجر الجهاد فَاسْتَغْفِرْ لَنا يا رسول الله عند الله حتى يغفر لنا ما صدر عنا من التخلف لا تبال يا أكمل الرسل بهم وباعتذارهم هذا واستغفارهم فإنهم من شدة شكيمتهم وغيظهم وضعف عقيدتهم يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ تغريرا وتلبيسا قُلْ لهم على سبيل التفضيح والتبكيت فَمَنْ يَمْلِكُ اى يدفع ويمنع لَكُمْ مِنَ اللَّهِ القادر المقتدر شَيْئاً من مقتضى غضبه سبحانه إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ شيأ من مقتضيات لطفه ورحمته ان أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً وبالجملة لا راد لفضله ولا معقب لحكمه بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يجازيكم على مقتضى خبرته

بَلْ ظَنَنْتُمْ ايها المتخلفون المثقلون أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ ولن يرجع الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً بل يستأصلهم العدو بالمرة فلن يرجع منهم احد من سفرهم هذا بل وَزُيِّنَ اى حبب وحسن ذلِكَ الاستئصال وعدم الرجوع وتمكن فِي قُلُوبِكُمْ من

<<  <  ج: ص:  >  >>