للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انها قد اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ انها معجزة خارقة للعادة قد صدرت عن امر الهى لا عن مكر وخديعة فظلموا أنفسهم بتكذيب ما استقر في أنفسهم صدقه وكونه معجزة ظُلْماً صريحا وَعُلُوًّا على الحق وميلا منهم نحو الباطل حسدا وعنادا واستكبروا على موسى وأنكروا جميع ما جاء به من عند ربه علوا وعتوا فَانْظُرْ ايها المعتبر الناظر كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ المستكبرين الذين يكذبون ما يعلمون يقينا حقيته في نفوسهم وينسبونه بأفواههم الى السحر والشعبذة عنادا ومكابرة فانظر مآل أمرهم وعاقبته كيف اغرقوا واستوصلوا في بحر الغفلة والغرور بحيث لم يبق منهم احد يخلفهم ويحيى اسمهم ورسمهم

وَمن سعة جودنا وعموم فيضنا وفضلنا لَقَدْ آتَيْنا وأعطينا داوُدَ وَابنه سُلَيْمانَ عِلْماً متعلقا بالحكم والاحكام وعموم تدبيرات الأنام وضبط أحوالهم وأوضاعهم المتداولة بينهم من الإنصاف والانتصاف واقامة الحدود وسد الثغور وغيرها من الأمور المتعلقة بضبط المملكة وَقالا بعد ما رأيا ترادف نعم الله عليهما وتواليها لهما حين أرادا ان يشكر الله ويؤديا حقوق نعمه الجليلة ومنحه الفاضلة الجزيلة الْحَمْدُ والمنة والثناء التام الناشئ عن عموم الألسنة وعن جميع الجوارح والآلات الممنونة من نعمه المغمورة بموائد لطفه وكرمه ثابت لِلَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المستحق لعموم المحامد والاثنية الصادرة من ذرائر الأكوان طوعا المفضل المكرم الَّذِي قد فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ له الموحدين بذاته المصدقين لأنبيائه ورسله وكتبه وبالحكمة المتقنة المتعلقة بمرتبتى الناسوت واللاهوت الفائضة علينا الموهوبة إيانا من حضرة الرحموت ومن الحي الذي لا يموت

وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ يعنى بعد ما انقرض داود استخلف عنه ابنه سليمان وورث منه نبوته وحكمته وحكومته وقد سخر له عموم ما سخر لداود مع زيادات قد خلا عنها أبوه وهو تسخير الجن والريح ومنطق الطير فإنها ما تيسر لأبيه وَبعد ما تمكن سليمان على مقر الحكومة والنبوة قالَ يوما للملأ الجالسين حوله تنويها وتشهيرا لنعم الله على نفسه يا أَيُّهَا النَّاسُ قد عُلِّمْنا بلسان الوحى وترجمانه مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا من فضل الله علينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ اى كثير من الأشياء لم يؤت مثله أحدا من العالمين إِنَّ هذا الإعطاء والتخصيص والتفضل من الله العزيز العليم لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ الظاهر اللائح فضله على كل احد والملك العظيم الذي لم يؤت أحدا من الأنبياء الماضين

وَاذكر يا أكمل الرسل يوم حُشِرَ وجمع لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ وقد كان معسكره مسيرة مائة فرسخ خمسة وعشرون للانس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش تمشى كل طائفة منهم من بنى نوعهم صافين مستوين وان تسابق بعضهم على بعض فَهُمْ حينئذ يُوزَعُونَ ويحبسون حتى يتلاحقوا ويتساوى صفوفهم وكان سليمان صلى الله عليه وسلم يأمر الريح فترفعه فوق رؤسهم مشرفا عليهم فتسير معه رخاء من كمال فضل الله عليه انه ما تكلم احد منهم بكلام الا وقد حملته الريح والقته في سمعه فبينما هو يسير مع عسكره هكذا قد رآه وجنده حراث فقال مستغربا متعجبا والله لقد اوتى آل داود ملكا عظيما فسمع سليمان عليه السلام قوله ومشى نحوه فقال له انما مشيت إليك لأوصيك ان لا تتمنى ما لا تقدر عليه وليس في وسعك تدبيره ثم قال والله لتسبيحة واحدة يتقبلها الله خير مما اوتى آل داود وقد كان سليمان صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام مع جنوده على الوجه المذكور

حَتَّى إِذا أَتَوْا ودخلوا عَلى وادِ النَّمْلِ هو واد في الشام كثير النمل ولذلك سمى به قالَتْ نَمْلَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>