للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالدلائل العقلية والنقلية بأنواع المؤاخذة والمجازاة وبأصناف العقاب والعقبات

ثُمَّ اعلم يا أكمل الرسل انا من مقام فضلنا وجودنا معك قد جَعَلْناكَ تابعا مقتديا مقتفيا عَلى شَرِيعَةٍ وطريقة منبئة موضحة مِنَ الْأَمْرِ والشأن الذي أنت تظهر عليه وأتيت لتبيينه ألا وهي الحقيقة المتحدة التي هي عبارة عن الوحدة الذاتية الإلهية والهوية الشخصية السارية في عموم المكونات فَاتَّبِعْها اى تلك الشريعة الموصلة الى الحقيقة بالعزيمة الخالصة وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ القوم الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ولا يؤمنون بها فكيف ينكشفون بسرائرها وحكمها ولا تقبل منهم أباطيلهم الناشئة من آرائهم الفاسدة وأحلامهم السخيفة الكاسدة وبالجملة

إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا ولن يدفعوا عَنْكَ مِنَ غضب اللَّهِ شَيْئاً ان تعلقت مشيته بمقتك وطردك بسبب موالاتهم ومتابعتهم وَإِنَّ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية المنحرفين عن جادة العدالة الفطرية بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ لكمال مناسبتهم وموالاتهم إذ الجنسية علة التضام وعلقة الالتيام بينهما فعليك الاعراض والانصراف عنهم وعن موالاتهم وَاللَّهُ المطلع على عموم ما في ضمائر عباده وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ الذين يتقون ويحذرون عن محارم الله ويوالون اولياء الله لله وفي الله

هذا الذي ذكر في كتابك من الأخلاق المرضية المنبهة على القسط الحقيقي والعدل الإلهي بَصائِرُ لِلنَّاسِ يبصرهم طريق الهداية والرشد ويوصلهم الى التوحيد الذاتي ان استقاموا عليها بالعزيمة الصادقة الصحيحة الصافية عن كدر الرياء والرعونات وَهُدىً يهديهم الى سواء السبيل وَرَحْمَةٌ نازلة من قبل الحق لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ويوفقون على الايمان والإيقان والكشف والعيان. ثم قال سبحانه

أَمْ حَسِبَ

الغافلون الضالون المسرفون الَّذِينَ اجْتَرَحُوا

واكتسبوا طول عمرهم السَّيِّئاتِ

المبعدة لهم عن طريق الحق وسبيل الهداية والرشد أَنْ نَجْعَلَهُمْ

ونصيرهم بعد ما رجعوا إلينا كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ

المقربة لهم الى الحق وتوحيده اى مثلهم بلا مزية لهم عليهم بل ظنوا انهم هم (٣) سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ

يعنى حياة المشركين ومماتهم عندنا كحياة الموحدين المخلصين ومماتهم ايضا كذلك كلا وحاشا ساءَ ما يَحْكُمُونَ

اى حكمهم هذا وما حكموا به لأنفسهم أولئك الجاحدون الجاهلون

وَكيف يحكم المتقن في عموم أحكامه وأفعاله بمساواة المطيع والعاصي مع انه قد خَلَقَ اللَّهُ المستوي بالعدل القويم على عروش عموم المظاهر السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ملتبسة بِالْحَقِّ اى بالعدالة الصورية المنبئة عن العدالة المعنوية الحقيقية الحقية وَانما خلقها كذلك لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ من خير وشر بعد ما امر الحق بما امر ونهى بما نهى وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ في أجور أعمالهم وجزائها لا زيادة ولا نقصانا الا تفضلا وإحسانا في جزاء المحسنين

أَفَرَأَيْتَ وأبصرت متعجبا ايها المعتبر الرائي الى مَنِ اتَّخَذَ اى الى الجاحد المسرف والجاهل المعاند الذي قد أخذ واتخذ إِلهَهُ هَواهُ اى ما يهواه وكيف أطاع الى ما يتمناه وعبد الى ما يحبه ويرضاه ولم يفوض امره الى مولاه بل نبذه الى ما وراه واتبع هواه وَما ذلك الا انه قد أَضَلَّهُ اللَّهُ العليم الحكيم باسمه المذل المضل مع انه أظهره سبحانه عَلى عِلْمٍ اى صوره بصورة ذي علم وجبله على فطرة اى معرفة وتوحيد وَمع إظهاره وخلقه كذلك قد خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ لئلا يسمع كلمة الحق من اهله وَقد ختم ايضا على قَلْبِهِ لئلا يتفكر في آيات الله ودلائل توحيده وَقد جَعَلَ ايضا عَلى

<<  <  ج: ص:  >  >>