للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقراء الأغبياء فيأمروهم بما قصدوا من الحوائج ليتم امر النظام والتمدن والتضامّ وَبالجملة رَحْمَتَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل ألا وهي رتبة النبوة والرسالة خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية لاشتمالها على ضبط الظواهر والبواطن المتعلقة بالنشأة الاولى والاخرى. ثم أشار سبحانه الى دناءة زخارف الدنيا وأمتعتها ورداءة ما فيها من اللذات الوهمية وما يترتب عليها من الشهوات البهيمية فقال

وَلَوْلا مخافة أَنْ يَكُونَ النَّاسُ المجبولون على الكفر والنسيان أُمَّةً واحِدَةً مائلة الى الكفر منحرفة عن الايمان لَجَعَلْنا وصيرنا البتة لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ اى بسطنا على الكافرين من الزخارف الدنيوية ووفرناها عليهم الى حيث يتخذون لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مصنوعة متخذة مِنْ فِضَّةٍ وَكذا يعملون مَعارِجَ ومراقى منها عَلَيْها اى على سطوح بيوتهم يَظْهَرُونَ يصعدون ويعلون بتلك المعارج المعمولة من الفضة

وَكذا يعملون لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً منها بدل الألواح من الأخشاب وَكذا يتخذون منها سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ ترفها وتنعما

وَبالجملة لوسعنا عليهم حطام الدنيا الى حيث جعلنا لهم زُخْرُفاً وزينة وافرة كثيرة متخذة من الفضة والذهب يتزينون بها ويتلذذون بلذاتها الفانية وشهواتها الزائغة الزائلة المبعدة عن اللذات الباقية الاخروية كما نشاهد أمثال هذه من أبناء زماننا هذا احسن الله أحوالهم مع انهم يعدون أنفسهم من المؤمنين الموحدين لكن لو فعلنا كذلك لمال إليها المسلمون وتحسروا بما نالوا فضعف رأيهم في اتباع الدين القويم والتمشى على الصراط المستقيم وَبالجملة إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا الفانية لإقرار ولا مدار لما عليها من اللذات والشهوات الوهمية البهيمية الغير القارة وَبالجملة النشأة الْآخِرَةُ اى حظوظ النشأة الآخرة الباقية الدائمة لذاتها ازلا وابدا مستقرة عِنْدَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل حاصلة لِلْمُتَّقِينَ الذين يحفظون نفوسهم عن التلطخ بقاذورات الدنيا الدنية والركون الى مزخرفاتها الفانية سوى سد جوعة ولبس خرقة وكسوة يدفعون بها ضرر الحر والبرد ولا يميلون الى ما سواها طلبا لمرضاة الله وهربا عن مساخطه

وَمَنْ يَعْشُ اى يعرض وينصرف عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ اى القرآن المبين له طريق الايمان والعرفان لفرط انهماكه باللذات والشهوات الفانية الدنيوية نُقَيِّضْ لَهُ ونسلط عليه شَيْطاناً يضله ويغويه ويوسوس عليه ويرديه وبالجملة فَهُوَ اى الشيطان لَهُ قَرِينٌ دائما يزين عليه المعاصي والمقابح ويغريه عليها الى ان يدخله في نار القطيعة والحرمان

وَإِنَّهُمْ اى جنود الشياطين واتباعه لَيَصُدُّونَهُمْ اى يذبونهم ويصرفونهم اى اتباعهم من الناس عَنِ السَّبِيلِ السوى الموضوع بالوضع الإلهي الموصل الى توحيده وَهم يَحْسَبُونَ من فرط عمههم وسكرتهم أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ بهداية قرنائهم من الشياطين مع انهم الغاوون الضالون باغوائهم واضلالهم بلا هداية ورشاد أصلا ولم يعلموا اضلالهم

حَتَّى إِذا جاءَنا اى الأعشى الأعمى وعلم ضلاله عنا وغوايته عن طريقنا قالَ متحسرا متأسفا لقرينه المضل المغوى متمنيا يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ اى بعد ما بين المشرق والمغرب فَبِئْسَ الْقَرِينُ أنت ايها المضل المغوى قد أضللتني عن الطريق القويم وابتليتني بالعذاب الأليم

وَقيل لهم حينئذ من قبل الحق لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ تمنيكم واسفكم إِذْ قد ظَلَمْتُمْ انفسكم في نشأة التدارك والتلافي والآن قد انقرضت أَنَّكُمْ وقرناءكم اليوم فِي الْعَذابِ المؤبد المخلد مُشْتَرِكُونَ كما انكم قد كنتم مشتركين في الأسباب الجالبة له في النشأة

<<  <  ج: ص:  >  >>