للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ كما تأكل أنت وسائر الناس وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ لحوائجهم كما تمشى أنت وغيرك وامتياز الرسل والأنبياء من عوام بنى نوعهم انما هو بأمور معنوية لا اطلاع لاحد عليها سوى من اختارهم للرسالة واجتباهم للنبوة والخلافة وهم في ظواهر أحوالهم وأطوارهم مشتركون مع نبي نوعهم بل ادنى حالا منهم في ظواهرهم لعدم التفاتهم الى زخارف الدنيا الدنية ومموهاتها العائقة عن اللذة الاخروية ولهذا ما من نبي ولا رسول الا وقد عيرتهم العوام بالفقر والفاقة الا نادرا منهم وَبالجملة من سنتنا القديمة انا قد جَعَلْنا بَعْضَكُمْ ايها الناس لِبَعْضٍ فِتْنَةً اى سبب افتتان وابتلاء وامتحان واختبار من ذلك ابتلاء الفقراء بتشنيع الأغنياء وتعييرهم والنبيين والمرسلين باستهزاء المنكرين المستكبرين وكذا المرضى بالأصحاء وذوى العاهات بالسالمين الى غير ذلك وانما جعلناكم كذلك لنختبر ونعلم أَتَصْبِرُونَ ايها المصابون بما أصابكم من البلاء فتفوزون بجزيل العطاء وجميل اللقاء أم لا وَالحال انه قد كانَ رَبُّكَ يا أكمل الرسل في سابق قضائه وحضرة علمه بَصِيراً لصبر من صبر وشكر من شكر من اولى العزائم الصحيحة ولمن لم يصبروا ولم يشكروا من ذوى الأحلام السخيفة وسر الاختبار والابتلاء الإلهي انما هو اظهار الحجة البالغة الإلهية حين الأخذ والانتقام إذ الإنسان مجبول على الجدال والكفران

وَمن جملة جدالهم قالَ الكافرون الجاحدون الملحدون الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا بل لا يؤملون لقيانا قطعا ولا يخافون عنا مطلقا لإنكارهم بنا وبعموم ما قد وعدنا لهم في يوم الجزاء لو كان محمد رسولا مؤيدا من عند الله لَوْلا هلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ المصدقون لرسالته ليخبرونا بصدقه في دعواه أَوْ هلا نَرى رَبَّنا الذي يدعونا اليه معاينة فيخبر لنا بصدق رسالته حتى نصدقه بلا تردد قال سبحانه في ردهم مقسما على سبيل الاستعجاب والاستغراب والله لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أولئك المسرفون المفرطون بقولهم هذا مكابرة حيث طلبوا من الله ما لا يسع لخلص عباده من ذوى النفوس القدسية فكيف لهؤلاء الملحدين وَبالجملة قد عَتَوْا باخطار هذا المطلب العظيم في خواطرهم وان صدر عنهم هذا تهكما واستهزاء عُتُوًّا كَبِيراً فاستحقوا بذلك اكبر العذاب وأصعب النكال والوبال اذكر لهم يا أكمل الرسل

يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ اى ملائكة العذاب مع انه لا بُشْرى ولا بشارة برؤيتهم يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ بل انما يجيئون إليهم ليجروهم الى جهنم صاغرين مهانين وَبعد ما يرونهم صائلين عليهم صولة الأسود يَقُولُونَ متحسرين خاسرين قولا يقول به العرب عند هجوم البلاء وحلول العناء وعند اليأس التام من الظفر بالمطلوب وهو قولهم هذا حِجْراً مَحْجُوراً هو كناية عن قولهم قد حرمنا عن التبشير بالجنة حرمانا مؤبدا وصرنا مسجونين في النار سجنا مخلدا.

ثم قال سبحانه وَبعد ما قد حرمنا الجنة عليهم وجعلنا مصيرهم النار ابدا قد قَدِمْنا وعمدنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ اى أصلح أعمالهم وأحسنها التي قد أتوا بها في النشأة الاولى كقرى الضيف وصلة الرحم واعانة الملهوف واغاثة المظلوم وغير ذلك من حسنات أعمالهم فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً اى قد صيرناه كالغبار المنثور بالرياح بلا ترتب الثواب والجزاء عليه لفقدهم شرط القبول والاثابة وقت صدورها عنهم الا وهو الايمان والتوحيد والتصديق بالرسل والكتب والعمل بمقتضى الوحى وبالجملة هم كفار مكذبون مستكبرون لذلك لم تقبل أعمالهم

واما أَصْحابُ الْجَنَّةِ المتصفون بالإيمان والتوحيد وتصديق الرسل والكتب الممتثلون بالأوامر والنواهي بمقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>