للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَلَائِهِ المؤمنين به المعاونين بشأنه الكافرين بالله مؤيدين بِآياتِنا الدالة على استقلالنا في الآثار وتفردنا في الألوهية والربوبية وعلى صدق رسولنا في عموم ما جاء به من لدنا فَاسْتَكْبَرُوا عن الانقياد واستقبلوا بالتكذيب والعناد وَبالجملة هم في سابق علمنا ولوح قضائنا قد كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ مجبولين بأعظم الجرائم مستحقين باشد العذاب لذلك أظهروا ما هو كامن مكنون في استعداداتهم الفطرية وقابلياتهم الجبلية

فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ الحقيق بالاتباع والانقياد مِنْ عِنْدِنا سيما بعد ما قد عارضوا معه مرارا قابلوا بمعجزاته ما قابلوا من السحر والشعبذة تكرارا قالُوا من فرط عتوهم وعنادهم بدل ما صدقوه وآمنوا له بعد ظهور امره وشأنه بالبراهين القاطعة والمعجزات الساطعة إِنَّ هذا الذي جاء به هذا الساحر الكذاب لَسِحْرٌ مُبِينٌ عظيم ظاهر فائق على سحر عموم السحرة

قالَ مُوسى بعد ما سمع منهم هذا آيسا عن ايمانهم قنوطا عنهم متحسرا متحزنا بمقتضى شفقة النبوة موبخا لهم على وجه العظة والتذكير أَتَقُولُونَ ايها الحمقى لِلْحَقِّ الصريح الثابت الصحيح لَمَّا جاءَكُمْ وحين أتاكم لإصلاح حالكم ليورث في قلوبكم تصديقا بوحدانية ربكم ويؤثر فيها انه سحر باطل وزور أَما تستحيون من الله ولا تنصفون وما تخافون من بطشه تقولون سِحْرٌ هذا وَالحال انه لا يُفْلِحُ ولا يفوز بالخير ابدا السَّاحِرُونَ المزورون المبطلون وهذا خير كله عاجلا وآجلا وفوز بالفلاح والنجاح ظاهرا وباطنا

قالُوا على سبيل المكابرة والعناد بعد ما سمعوا من موسى قوله ونصحه أَجِئْتَنا ايها الساحر الكاذب لِتَلْفِتَنا وتصرفنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وأسلافنا وَاشتهيت أنت يا موسى اصالة وأخوك تبعا لك ان تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ والعظمة فِي الْأَرْضِ التي كنا مستقرين عليها ساكنين فيها مرفهين وَبالجملة اذهبا الى حيث شئتما ما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ مصدقين منقادين

وَبعد ما أفحموا عن براهينهما وحجتهما وعجزوا عن معجزاتهما صمموا العزم لمعارضتهما حيث قالَ فِرْعَوْنُ امرا لأعوانه وانصاره ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ ماهر كامل فيه فأرسلوا شرطا لجميع اهل السحر فجمعوا واحضروا على فناء فرعون مجتمعين ثم عينوا الوقت والموعد فخرجوا اليه ليعارضوا معهما

فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ الموعد الموعود وحضروا في الميقات المعهود قالوا لموسى تحقيرا له وتهوينا لأمره الق يا موسى ما جئت به من السحر قالَ لَهُمْ مُوسى مستعينا بالله معتصما عليه ملهما من عنده متوكلا عليه أَلْقُوا أنتم ايها المفترون المكذبون أولا

ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا عموم ما جاءوا به من انواع السحر واستحسنوا من فرعون وملائه واستأملوا منه الجعل الكثير وجزموا على الغلبة قالَ لهم مُوسى بعد ما رأى جميع ما القوا ما جِئْتُمْ بِهِ ايها المفسدون المعاندون هو السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ المطلع بعموم مخايلكم سَيُبْطِلُهُ عن قريب ثم القى موسى عصاه بالهام الله إياه فإذا هي تلقف وتلتقم عموم ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فانقلبوا هنالك وصاروا صاغرين وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المصلح لأحوال عباده لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ منهم لانهماكهم في الإفساد والإسراف المصرين على العتو والعناد

وَبالجملة يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ الثابت عنده ويقرره في مكانه بِكَلِماتِهِ التامات اى بأوامره ونواهيه وآياته ومعجزاته وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ المحرومون عن نور الايمان والتوحيد ذلك التثبيت والتقرير ثم لما ظهر امر موسى وشاع غلبته بين الأنام وفاق معجزاته على عموم ما جاءوا به من السحر

<<  <  ج: ص:  >  >>