للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عتابه سبحانه وجلين من سوء الأدب مع الله مستحيين عن سؤالهم من فعله الذي لا يسأل عنه مطلقا قائلين سُبْحانَكَ ننزهك ان نعترض عليك ونسأل عن فعلك نحن او غيرنا من المظاهر والمصنوعات فلك الحكم في ملكك وملكوتك والتصرف في مقتضيات أسمائك وصفاتك يا مولانا وانما بسطنا الكلام معك يا ربنا لانبساطك بنا إذ لا عِلْمَ لَنا منها إِلَّا ما عَلَّمْتَنا حسب استعداداتنا وقابلياتنا الفائضة منك علينا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بجميع القابليات الْحَكِيمُ بافاضة ما ينبغي لمن ينبغي بلا علل وأغراض وبعد ما اعترفوا بذنوبهم واعتذروا عن قصورهم واجترائهم قبل الله عنهم عذرهم وتوبتهم

ثم اظهر عليهم الحكمة المقتضية لخلافة آدم صلوات الله عليه جبرا لانكسارهم ورفعا لحجابهم امتنانا عليهم حيث قالَ يا آدَمُ المستجمع لآثار عموم الأسماء المتخالفة أَنْبِئْهُمْ عن خبرة وحضور تام بِأَسْمائِهِمْ المركوزة في هويتك عن هؤلاء المسميات والمسببات المعروضة عليك المعبر عنها بالعالم ثم لما سمع آدم نداء ربه بادر الى الجواب بمقتضى الوحى والإلهام الإلهي وأجاب بما أجاب فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بتوفيق الله بِأَسْمائِهِمْ على التفصيل الذي أودعه الحق فيه لان المرآة تظهر وتحاكى جميع ما في الرائي ثم لما سمع الملائكة منه ما سمعوا من تفصيل الأسماء المعروضة عليه استحيوا من انبائه وندموا عما صدر عنهم في حقه وزادوا الاستحياء من الله وتوجهوا نحوه ساكتين لائمين أنفسهم حتى لطف سبحانه معهم وأدركتهم العناية الشاملة وشملتهم الرحمة الواسعة حيث تكلم سبحانه معهم وخاطبهم مذكرا لهم عما جرى بينه سبحانه وبينهم مستفهما لهم على وجه التأديب لئلا يصدر عنهم أمثاله ولئلا يغتروا بعلومهم ومعاملاتهم ولا يستحقروا مظاهر الحق مطلقا ولا ينظروا إليها بنظر الاهانة والاستحقار بل بنظر العبرة والاعتبار ولا يتوهموا إخفاء شيء من الله المحيط لعموم الأشياء احاطة حضور وشهود حيث قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ أولا اجمالا إِنِّي أَعْلَمُ منكم غَيْبَ السَّماواتِ اى عالم الأسباب التي قد ادعيتم العلم بتفاصيل أحوالها وَغيب الْأَرْضِ اى عالم المسببات التي قلتم فيها كلاما على التخمين والحسبان وبحسب الظاهر وَأَعْلَمُ ايضا ما تُبْدُونَ وتظهرون في حق آدم باللسان من الاستحقار والاستكسار وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ في سرائركم وضمائركم من المراقبة له وافراط المحبة معى ودعوى الاستقلال فيها والانحصار عليها. ثم لما اعترفوا بذنوبهم وأقروا قصورهم وتضرعوا نحو الحق تائبين نادمين عن اجترائهم ومجادلتهم معه سبحانه مستحيين عنه سبحانه وعمن استخلفه عن نفسه يعنى آدم بنسبة انواع المكاره اليه خائبين عما نووا في نفوسهم من الأولوية في الاستحقاق تقبل الله سبحانه منهم عذرهم وأسقط حق آدم عنهم ثم أمرهم بسجوده استحلالا منه وتكريما له وإيفاء لحقه ليسقط عن ذممهم

فقال وَإِذْ قُلْنا اى اذكر يا أكمل الرسل وقت قولنا لِلْمَلائِكَةِ النادمين عن الجرأة التي صدرت عنهم في حق آدم اسْجُدُوا تذللوا وتواضعوا تكريما لِآدَمَ وامتثالا لأمرنا فَسَجَدُوا له مجتمعين متذللين واضعين جباههم على تراب المذلة والندامة إِلَّا إِبْلِيسَ منهم قد أَبى اى امتنع عن السجود وَاسْتَكْبَرَ عن الانقياد له وأصر على ما هو عليه من العناد والجحود وَكانَ بعدم امتثال الأمر الوجوبي مِنَ الْكافِرِينَ المطرودين عن ساحة الحضور والسر في استثنائه سبحانه إبليس عن هذا الحكم وعدم توفيقه واقداره إياه على السجود ان يظهر سر الظهور والإظهار والربوبية والعبودية والايمان والكفر والجنة والنار وجميع المعتقدات الشرعية والتكاليف الإلهية إذ بسببه يظهر الاثنينية ويتعدد الطرق وتتفاوت الآراء والمقالات وتتبين المخالفات

<<  <  ج: ص:  >  >>