للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليكم في دينكم الاصطياد حال كونكم محرمين للحج

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ وليختبرنكم ويجربنكم اللَّهُ المصلح لأحوالكم بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ وقت إحرامكم والصيد يغشاكم بحيث تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ من غاية قربه لكم هل تأخذونه وتشوشونه أم تحفظون امر التحريم وتراعون حقه وما ذلك الابتلاء والاختبار الا لِيَعْلَمَ اللَّهُ العليم الحكيم وليميز ويفصل منكم مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ اى عن انتقامه واخذه في يوم الجزاء عن من لا يخافه ولا يبالى بامره وشأنه وان كان الكل عنده معلوما مميزا فَمَنِ اعْتَدى وتجاوز بَعْدَ ذلِكَ اى بعد ما سمع من الحق ما سمع فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ وعقاب مؤلم عظيم باعتدائه واجترائه

ثم اردفه سبحانه بما يدل على جبره بعد انكساره رفعا للحرج عن عباده مصرحا بتحريمه ونهيه أولا فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم ان لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَالحال انه أَنْتُمْ حُرُمٌ محرمون للحج وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ في اوقات إحرامه مُتَعَمِّداً قاصدا فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يعنى قد لزمه جبرا لما انكسر ذبح مثل ما قتل من النعم الأهلي في النفع والفائدة لسد جوعة الفقراء والمساكين يَحْكُمُ بِهِ اى بمماثلته ومقابلته ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ حال كون ذلك المجازى ناويا به هَدْياً اى مهدى به يذبح لله وفي سبيله طلبا لرضاه بالِغَ الْكَعْبَةِ اى عندها ويتصدق به للفقراء والمساكين أَوْ لزم عليه كَفَّارَةٌ وهي طَعامُ مَساكِينَ يعنى يشترى بثمن ذلك المثل الذي يحكم به ذوا عدل طعاما ويتصدق به للفقراء ويعطى كل واحد منهم مدا من الطعام أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً يعنى او لزمه صيام مدة مساوية لعدد الفقراء إذا اطعمتم بثمنه عليهم سر كل تلك التكاليف لِيَذُوقَ المسرف الجاني وَبالَ أَمْرِهِ اى ثقله وشدته وفظاعته ووخامة عاقبته إذ هو ابطال لصنع الحق سيما حين حماه الحق ونهى عن التعرض له وعليكم ان تحافظوا على النهى بعد الورود ولا تخافوا عما قبله إذ عَفَا اللَّهُ عنكم عَمَّا سَلَفَ منكم من الجرائم ومحا عن ديوان أعمالكم وأسقط عن الحساب ما اكتسبتم من الآثام حين كونكم تائهين في بيداء الغفلة قبل ورود النهى وَمَنْ عادَ عليها بعد ما نبه ونهى فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ العزيز المقتدر مِنْهُ ويؤاخذه عليه ويحاسبه عنه ويجازيه على مقتضى حسابه وَلا تغتروا بحلمه سبحانه وامهاله ومجاملته إذ اللَّهُ المستغنى في ذاته عن آثار جميع الشئون والنشأة عَزِيزٌ غالب غيور متكبر قهور ذُو انْتِقامٍ عظيم وبطش شديد على من تخلف عن حكمه وأصر عليه. نعوذ بفضلك من عدلك يا ذا القوة المتين

أُحِلَّ لَكُمْ ايها المحرمون صَيْدُ الْبَحْرِ يعنى مائي المتولد مطلقا الا ما تستكرهه طباعكم وَطَعامُهُ اى اكله قد صار مَتاعاً لَكُمْ تتمتعون به مجانا وَكذا لِلسَّيَّارَةِ مطلقا للتجارة او الزيارة او غيرها يتزودون منه متى شاءوا وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً اى من أول مدة إحرامكم من الميقات الى أول الحل وَبالجملة اتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وتساقون ايها المؤمنون للعرض والحساب وعليكم الحذر والاتقاء عن التعرض بمصنوعاته بقهر وغلبة في عموم أحوالكم سيما في أوان الحج عند لبس الإحرام الذي هو كفن الفناء المعنوي والموت الإرادي الحقيقي عند ذوى الألباب الناظرين الى لب الاحكام وزبدتها فكما لا يبقى عند عروض الموت الصوري للقوى والأوصاف والآلات الظاهرة آثار وافعال بل قد تعطلت وانمحت وتلاشت بحيث لا يتوقع منها ذلك أصلا كذلك في الموت الإرادي الذي هو عبارة عن حج العارف بالله لا بد من إحرامه

<<  <  ج: ص:  >  >>