للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفوسهم الامارة بالسوء أَجْمَعِينَ وبالجملة ما يبدل القول الذي لدىّ ولا معقب لحكمي

فَذُوقُوا اى قلنا لهم بعد ما لم نستجب دعوتهم ذوقوا اليوم ايها الضالون المسرفون بِما نَسِيتُمْ اى بشؤم نسيانكم وطغيانكم لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا مع ان الرسل قد بالغوا باخباره إياكم والكتب قد نطقت بتبيينه عليكم على ابلغ وجه وآكده وأنتم قد أصررتم على الإنكار غافلين ناسين مكابرين وبالجملة إِنَّا قد نَسِيناكُمْ اليوم في انواع العذاب والنكال كما نسيتم أنتم إيانا فيما مضى وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ اى المخلد المؤبد بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الكفران الدائم والنسيان المستمر في النشأة الاولى أعاذنا الله وعموم عباده من ذلك. ثم قال سبحانه بمقتضى سنته المستمرة

إِنَّما يُؤْمِنُ ويذعن بِآياتِنَا الدالة على وحدة ذاتنا وبكمالات أسمائنا وصفاتنا الموحدون المخبتون الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها اى بالآيات تبشيرا وانذارا خَرُّوا وسقطوا سُجَّداً متذللين مستقبلين مبادرين لقبولها وامتثال ما فيها من الأوامر والنواهي والعبر والتذكيرات الواردة في محاويها وَمع ذلك قد سَبَّحُوا ونزهوا ربهم عما لا يليق بجناب قدسه قائلين بِحَمْدِ رَبِّهِمْ عادّين نعمه على أنفسهم مواظبين على شكرها خاضعين خاشعين أذلاء واضعين جباههم على تراب المذلة تواضعا واسقاطا للكبر والخيلاء المذمومين عقلا وشرعا وَهُمْ حينئذ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن عبادة الله وعن الانقياد بأوامره وأحكامه الواردة الموردة في كتابه ومن كمال اطاعتهم وانقيادهم

تَتَجافى اى تتخى وترتفع جُنُوبُهُمْ وضلوعهم عَنِ الْمَضاجِعِ والبسط والوسائد التي هم رقدوا عليها في الليل يعنى قد بعدوا في خلال الليالى عن مواضع رقودهم واستراحتهم يَدْعُونَ رَبَّهُمْ حينئذ خَوْفاً من بطشه واخذه حسب قهره وجلاله وَطَمَعاً لمرضاته وسعة رحمته وجوده ومغفرته حسب لطفه وجماله وَهم لا يقتصرون بمجرد قيام الليل وصلاة التهجد فيه بل مِمَّا رَزَقْناهُمْ وسقناهم نحوهم من الرزق الصوري والمعنوي يُنْفِقُونَ في سبيلنا على الطالبين المتوجهين إلينا منقطعين عن لذائذ الدنيا ومزخرفاتها سوى سد جوعة وستر عورة وهم بارتكاب هذه المتاعب والمشاق ما يريدون الا وجه الله وما يطلبون الا رضاه سبحانه موثرين رضاء الله على أنفسهم مخلصين فيه وبالجملة

فَلا تَعْلَمُ ولا تعرف ولا تأمل نَفْسٌ منهم كيفية ما أُخْفِيَ وأعد لَهُمْ من قبل الحق قُرَّةِ أَعْيُنٍ ألا وهي فوزهم بشرف لقائه ورؤية وجهه الكريم بلا كيف واين ووضع وجهة واضافة. اللهم ارزقنا لقاءك وجنبنا عما سواك وانما أعد لهم سبحانه ما أعد لهم جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ على وجه الإخلاص من إيثارهم جانب الحق على أنفسهم

أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً يعنى أتظنون ايها الظانون المسرفون الجاحدون المنكرون ان من كان مؤمنا موقنا بوحدانية الله متصفا بالأعمال الصالحة المؤيدة لإيمانه كَمَنْ كانَ فاسِقاً خارجا عن ربقة الايمان والإخلاص وعن عموم حدود الشرائع والأديان الواردة لحفظ الايمان كلا وحاشا انهم لا يَسْتَوُونَ في الشرف والكمال والفوز والنوال بل

أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بوحدانية الحق وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المأمورة لهم على وجهها مع كونهم مخلصين فيها خاشعين خاضعين فَلَهُمْ في النشأة الاخرى بعد ما انقرضوا عن دار الدنيا جَنَّاتُ الْمَأْوى اى المتنزهات المعدة لأرباب المحبة والولاء تأوى إليها نفوسهم على الرغبة الكاملة والطوع التام لتكون نُزُلًا لهم ومنزلا يسكنون فيه ويستريحون بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يعنى بمقابلة ما يتحملون من المتاعب والمشاق في طريق التوحيد والعرفان

<<  <  ج: ص:  >  >>