للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من طغيان نفوسهم ولم يلتفتوا الى ما أمرهم الحق وهديهم اليه رسله يجزون بمقتضى ما اقترفوا جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها عدلا منه سبحانه وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ اى تغطاهم غبار المذلة والخذلان بدل ما اكتسبوا من البغي والعدوان ما لَهُمْ حينئذ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه وعقابه مِنْ عاصِمٍ حافظ يحفظهم او شفيع يشفع لهم ويخفف عنهم بل صاروا من ظلمة كفرهم وفسقهم كَأَنَّما أُغْشِيَتْ سترت وأحيطت وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً في غاية الظلمة لعدم استنارتهم بنور الايمان والعمل الصالح وبالجملة أُولئِكَ الأشقياء البعداء الهالكون في تيه الغي والضلال أَصْحابُ النَّارِ المعدة لأهل الغفلة والأهواء هُمْ فِيها خالِدُونَ جزاء بما كانوا يكسبون من الكفر والمعاصي وانواع الجرائم والآثام

وَاذكر يا أكمل الرسل يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ اى كلا الفريقين جَمِيعاً مجتمعين في يوم العرض والجزاء ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا بنا غيرنا من التماثيل والأصنام الزموا مَكانَكُمْ واستقروا عليه أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ حتى تسألوا عما اجرمتم فَزَيَّلْنا اى فرقنا وفصلنا بَيْنَهُمْ بان رفعنا رابطة العابدية والمعبودية وعلاقة العبادة التي بها وصلتهم وارتباطهم وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ باقدار الله إياهم حينئذ مخاطبين لهم مشافهة براءة لنفوسهم وتنزيها ما كُنْتُمْ ايها الضالون المنهمكون في الغي والضلال إِيَّانا تَعْبُدُونَ بعلمنا وبمقتضى أمرنا إذ لسناح من ذوى العلم واولى الأمر بل تعبدون أنتم أهواءكم وشياطينكم الكامنة في نفوسكم قد افتريتم علينا ونسبتم وانتسبتم بنا عنادا ومكابرة

فَكَفى بِاللَّهِ اليوم فيما مضى شَهِيداً شاهدا حاضرا على ما قد جرى بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ هو اعلم بعلمه القديم إِنْ كُنَّا اى انا كنا عَنْ عِبادَتِكُمْ وعن توجهكم ورجوعكم إلينا لَغافِلِينَ إذ لم نخلق من ذوى الشعور والإدراك في نشأة الاختبار حتى نضلكم ونستعبدكم

وبالجملة هُنالِكَ اى حين احضروا للسؤال والجواب والجزاء والحساب تَبْلُوا اى تختبر وتتفطن كُلُّ نَفْسٍ جزاء ما أَسْلَفَتْ وكسبت فيما سبق وَبعد تفطنهم وتنبههم رُدُّوا جميعا إِلَى اللَّهِ المتوحد المتفرد للجزاء إذ هو سبحانه مَوْلاهُمُ متولى نعمهم ومتولى أمورهم الْحَقِّ وَما سواه من الآلهة الكاذبة هي الباطلة مع بطلانها قد ضَلَّ غاب وضاع عَنْهُمْ عموم ما كانُوا يَفْتَرُونَ ظلما وزورا وسموهم آلهة وشفعاء افتراء ومراء ولم يبق حينئذ في الوجود والشهود الا الله الواحد القهار ولو كشفوا بسريان وحدة الحق في عموم المظاهر والأكوان الكائنة في جميع الاحياز والأحيان لتحققوا بتوحيده دائما بلا توقف الى يوم القيمة الا انهم لانهماكهم في الغفلة والضلال لم يتنبهوا في النشأة الاولى

قُلْ يا أكمل الرسل لمن أنكر توحيد الحق واستقلاله في الآثار والتدبيرات الواقعة في الأقطار إلزاما لهم وتبكيتا مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ بامطار الأمطار وتصعيد البخار وَالْأَرْضِ بالإنبات والإخراج أَمَّنْ يَمْلِكُ ويستطيع ان يخلق لكم السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ اللتين هما من أعظم اسباب حفظكم وحضانتكم انفسكم بهما وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ الحيوان السوى القوى مِنَ الْمَيِّتِ اى من النطفة الضعيفة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ اى النطفة الجامدة من الحيوان وَبالجملة مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ في عالم الأسباب والمسببات فَسَيَقُولُونَ اضطرارا من غاية ظهوره ووضوحه بحيث لا يمكنهم ان يكابروا اللَّهُ المدبر لجميع الأمور الكائنة في الآفاق والأنفس وبالجملة هم من غاية ظهوره وجلائه لم يمكنهم ان يعاندوا او يكابروا فَقُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما اعترفوا بالله المدبر لعموم الكوائن

<<  <  ج: ص:  >  >>