للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الرسل على امة من الأمم إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ اى ما أرسلناه الا بلغة موافقة بلغة قومه ليفقهوا منه حديثه ويفهموا لسانه ولِيُبَيِّنَ لَهُمْ طريق التوحيد ويجنبهم عن خلافه وما عليه وليس في وسعه الا البلاغ فَيُضِلُّ اللَّهُ المضل المذل لعباده مَنْ يَشاءُ إضلاله واذلاله حسب قهره وجلاله وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته بمقتضى لطفه وجماله وَهُوَ في ذاته الْعَزِيزُ الغالب على عموم ما أراد وشاء ارادة واختيارا الْحَكِيمُ المتقن في فعله على مقتضى ارادته

ثم ذكر سبحانه قصة إرسال موسى الى قومه حين فشا الجدال والمراء بينهم وانحرفوا عن طريق الحق ليتعظ بها المؤمنون ويعتبروا فقال وَلَقَدْ أَرْسَلْنا من مقام فضلنا وجودنا مُوسى المؤيد بِآياتِنا الباهرة مثل العصى واليد البيضاء وسائر المعجزات الظاهرة على يده وقلنا له أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ الضالين عن سواء السبيل بمتابعة الاهوية الفاسدة مِنَ انواع الظُّلُماتِ الطارئة عليهم من الكفر والفسوق والعصيان والتقليدات والتخمينات الناشئة من الأوهام والخيالات المنبعثة عن الكثرة المستدعية للانانية التي هي الظلمة الحقيقة إِلَى النُّورِ الحقيقي الذي هو صرافة التوحيد والوحدة الذاتية المسقطة لعموم الإضافات والكثرات وَذَكِّرْهُمْ ايضا بِأَيَّامِ اللَّهِ التي قد مضت على الأمم الهالكة من أمثال هذه الأفعال المورثة لانواع الظلمات لعلهم يعتبرون عن سماعها وينصرفون عماهم عليه من القبائح والذمائم إِنَّ فِي ذلِكَ اى في ذكر تلك الوقائع الهائلة والبليات العظيمة لَآياتٍ دلائل واضحة وعبرا ظاهرة لِكُلِّ مؤمن معتبر من أمثالها خائف عن بطش الله صَبَّارٍ على عموم ما جرى عليه من قضائه شَكُورٍ مبالغ في أداء الشكر على ما قد وصل اليه من آلائه ونعمائه

وَاذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ حين أراد تعديد نعم الله عليهم وإحسانه إليهم ليستحيوا عن مخالفة امره وترك طاعته وعبادته اذْكُرُوا ايها المغمورون بنعم الله نِعْمَةَ اللَّهِ الفائضة عَلَيْكُمْ من لدنه وواظبوا لأداء حق شيء منها سيما إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ حين يَسُومُونَكُمْ ويقصدون لكم سُوءَ الْعَذابِ وأسوأ العقاب وافضحه واقبحه وَهو انه يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ قمعا وقلعا لعرقكم وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ توبيخا وتقريعا عليكم وَبالجملة فِي ذلِكُمْ العذاب بَلاءٌ واختبار لكم نازل مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ إذ هو باقدار الله إياهم وتمكينه ولا بلاء أعظم منه والإنجاء عن أمثال هذه البليات من أعظم النعماء وأجل الآلاء فعليكم ان تواظبوا لشكره

وَاذكروا ايضا إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ وأعلمكم اعلاما بليغا وأوصاكم وصية عظيمة تتميما لتربيتكم لَئِنْ شَكَرْتُمْ على ما أعطيتم من النعم العظام وقمتم لأداء حقها لَأَزِيدَنَّكُمْ واضاعفنكم بأمثالها واضعافها وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ في مقابلة الإحسان والعطاء لا يلحق علىّ اثر كفرانكم بل إِنَّ عَذابِي ونكالي على من انصرف عن امرى وخرج عن إطاعتي وانقيادي لَشَدِيدٌ مبرم محكم لا يندفع أصلا فعليكم ان تلازموا الشكر وتجانبوا عن الكفران

وَبعد ما فرغ عن التعديد والتذكير قالَ لهم مُوسى قولا ناشئا عن محض الحكمة والرزانة بمقتضى نور النبوة والولاية إِنْ تَكْفُرُوا ايها الغافلون عن كمال استغناء الله وعلو شانه وسمو سلطانه وبرهانه أَنْتُمْ بأجمعكم وَعموم مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فان ذلك لا يزن في جنب استغنائه سبحانه مقدار جناح بعوضة فَإِنَّ اللَّهَ المتردي برداء العظمة والكبرياء لَغَنِيٌّ في ذاته هما سواه من اظلاله مطلقا حَمِيدٌ بمقتضيات أوصافه وأسمائه

أَلَمْ يَأْتِكُمْ ايها التائهون في تيه الغفلة

<<  <  ج: ص:  >  >>