للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلموا ايها المجبولون على فطرة التكليف ان ما بِكُمْ وما وهب لكم ونسب إليكم مِنْ نِعْمَةٍ واصلة لكم نافعة لنفوسكم مسرة لقلوبكم فَمِنَ اللَّهِ المصلح لأحوالكم قد وصلت إليكم امتنانا عليكم وتفضلا إذ لا نافع الا هو ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ المشوش لنفوسكم القاسي لقلوبكم فَإِلَيْهِ ايضا لا الى غيره من الوسائل العادية تَجْئَرُونَ تتضرعون وتستغيثون ليدفع عنكم أذاكم إذ لا ضار ايضا الا هو

ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ بعد استغاثتكم واستعانتكم ورجوعكم نحوه مع انه لا كاشف سواه إِذا فَرِيقٌ اى فاجاءت طائفة مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ الذي يدفع أذاهم ويكشف ضرهم يُشْرِكُونَ له غيره سيما من الأصنام والتماثيل العاطلة التي لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف لغيرهم وانما فعلوا ذلك وأشركوا

لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ من النعم ولم يقوموا بشكرها عنادا ومكابرة بل أسندوها الى ما لا شعور له أصلا ظلما وزورا وبالجملة فَتَمَتَّعُوا ايها المشركون بنا الكافرون لنعمنا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ما تكسبون لأنفسكم من العذاب المخلد والعقاب المؤبد والعجب كل العجب ينكرون بنا مع انا متصفون بجميع أوصاف الكمال منعمون عليهم بالنعم الجليلة الجزيلة

وَيَجْعَلُونَ ويسندون نعمنا وانعامنا لِما لا يَعْلَمُونَ أولئك الحمقى اى لآلتهم العاطلة التي لا يعلمون ولا يفهمون منها حصول الفائدة لهم وجلب النفع إليهم أصلا إذ هي جمادات قد نحتوها بأيديهم نَصِيباً اى حظا كاملا مِمَّا رَزَقْناهُمْ وسقنا نحوهم جهلا وعنادا ومع ذلك خيلوا انهم لا يسألون عنه ولا يؤاخذون عليه بل يثابون به على زعمهم الفاسد ورأيهم الكاسد تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ ايها المسرفون المفسدون عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ علينا بإثبات الشركاء إيانا واسناد نعمنا إليهم افتراء ومراء

وَمن جملة مفترياتهم بالله المنزه عن الأشباه والأولاد انهم يَجْعَلُونَ ويثبتون لِلَّهِ الْبَناتِ حيث يقولون الملائكة بنات الله مع انهم يكرهونها لأنفسهم هذه سُبْحانَهُ قد تنزه ذاته وتعالى شأنه عما يقولون علوا كبيرا وَلَهُمْ اى يثبتون لأنفسهم ما يَشْتَهُونَ من البنين

وَالحال انهم إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى وبولادتها له قد ظَلَّ صار وَجْهُهُ مُسْوَدًّا اى اسود فاحما من غاية الحزن والكراهة وَهُوَ حينئذ كَظِيمٌ مملو من الغيظ والبغض على الزوجة والوليدة بل على الله ايضا

وصار من شدة الغم والهمّ بحيث يَتَوارى ويستتر مِنَ الْقَوْمِ استحياء مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ اى بالوليدة المبشر بها ويتردد في أمرها أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ اى هوان ومذلة أَمْ يَدُسُّهُ ويخفيه فِي التُّرابِ غيرة وحمية أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ لأنفسهم ما يشتهون ولله المنزه عن الولد ما يكرهون

ثم قال سبحانه لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ المعدة لعرض الأعمال على الله والجزاء منه على مقتضاها مَثَلُ السَّوْءِ في حق الله المنزه عن الأهل والولد سيما نسبتهم اليه ما يستقبحه نفوسهم من اثبات البنات له تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا بل وَلِلَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المستقل بالالوهية والربوبية المتفرد بالوجود القيومية الْمَثَلُ الْأَعْلى الذي هو الغنى عن العالم وما فيه فكيف الزواج والإيلاد اللذين هما من أقوى اسباب الإمكان المنافى للوجوب الذاتي الذي هو من لوازم الألوهية والربوبية كيف وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب المتفرد المنيع ساحة عزه عن الاحتياج الى غيره مطلقا فكيف الى الزوجة والولد الْحَكِيمُ المتصف بكمال الحكمة المتقنة البالغة كيف يختار لذاته ما لا يخلو عن وصمة النقصان.

ثم قال سبحانه وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ الحكيم المتقن في أفعاله النَّاسَ الناسين عهود العبودية بمقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>