للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ

المقرب لكم الى الله إذ الانتقال من دار الغرور الى دار السرور يقرب العباد الى الرحيم الغفور إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعوى المحبة والولاية فتمنوه

وَالله يا أكمل الرسل لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً اى لا يتمنى احد منهم الموت أصلا وما سبب اعراضهم وانصرافهم عن الموت المقرب منه تعالى الا بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بشؤم ما قدموا واقترفوا بأنفسهم من الكفر والعصيان وانواع الفسوق والطغيان وَبالجملة اللَّهُ المطلع بما في استعدادات عباده عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ منهم وبما في ضمائرهم من محبة الحياة والقساوة المفرطة يجازيهم على مقتضى علمه

قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما قد اعرضوا عن تمنى الموت وابتغائه طلبا لمرضاة الله وشوقا اليه سبحانه ايضا على وجه التبكيت والإلزام إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ وتخافون ان تمنوه بألسنتكم مخافة ان لا يلحقكم بل تفرون عن مجرد التلفظ به فكيف عن لحوقه فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ وملاصقكم ولاحق بكم حتما إذ كل نفس ذائقة كأس الموت وكل حي بالحياة لا بد وان يموت سوى الحي الحقيقي الذي لا يموت ولا يفوت ثُمَّ بعد ما تموتون تُرَدُّونَ تحشرون وتساقون نحو المحشر وتعرضون إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ بعلمه الحضوري يعنى بما صدر منكم وما خفى في ضمائركم ونياتكم فَيُنَبِّئُكُمْ ويخبركم يومئذ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من خير وشر فيجازيكم عليه. ثم لما تهاون المسلمون في امر الجمعة وتكاسلوا في الاجتماع قبل الصلاة بل انفضوا وانصرفوا عن الجامع حين خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما سمعوا صدا الملاهي المعهودة لمجيء العير على ما هو عادتهم دائما عاتبهم الله سبحانه وانزل عليهم الآية وناداهم نداء عتاب وخطاب حيث قال

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم المبادرة الى مطلق الطاعات والعبادات سيما إِذا نُودِيَ واذن لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ اى في يوم الجمعة الا وهو الأذان المعهود قبيل الخطبة فَاسْعَوْا مجيبين مسرعين إِلى سماع ذِكْرِ اللَّهِ في الخطبة والتذكيرات الواردة فيها وَذَرُوا الْبَيْعَ واتركوا المبايعة بعد سماع الأذان ذلِكُمْ اى ترك البيع والسعى نحو المسجد والانصراف اليه خَيْرٌ لَكُمْ وانفع في عقباكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ صلاحكم وفسادكم في اولاكم واخراكم

فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ المكتوبة لكم يوم الجمعة مع الامام وأديت على وجهها فَانْتَشِرُوا فِي اقطار الْأَرْضِ وَابْتَغُوا واطلبوا حوائجكم مِنْ فَضْلِ اللَّهِ المنعم المتفضل يعطكموها حسب إحسانه وسعة جوده وانعامه وَاذْكُرُوا اللَّهَ ذكرا كَثِيراً في عموم أحوالكم وأعمالكم ولا تحصروا ولا تقصروا ذكره سبحانه في الصلاة المفروضة فقط بل اشتغلوا بذكره وشكره في عموم الأوقات والحالات بالقلب واللسان وسائر الجوارح والأركان إذ ما من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم الا قليلا وواظبوا عليه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وتفوزون بخير الدارين وصلاح النشأتين

وَهم من غاية حرصهم على مقتضيات القوى البهيمية بعد ما كانوا في الجامع والخطيب على المنبر إِذا رَأَوْا وسمعوا تِجارَةً حاضرة يدور الناس حولها أَوْ سمعوا لَهْواً طبلا مخبرا لهم عن مجيء العير انْفَضُّوا إِلَيْها اى مالوا وانصرفوا نحوها مسرعين فخرجوا من الجامع سوى اثنى عشر رجلا وامرأة وَتَرَكُوكَ يا أكمل الرسل قائِماً على المنبر وبالجملة ما هي الا ثلمة قد حدثت في الدين المبين موجبة مقتضية للتهاون باحكام الشرع المتين قُلْ لهم يا أكمل الرسل ازالة لها ولما يتفرع عليها ما عِنْدَ اللَّهِ من المثوبات الاخروية الموجبة للدرجات العلية والمقامات السنية خَيْرٌ لكم

<<  <  ج: ص:  >  >>