للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه بل لا يتوجهون نحوه بل يقدحون فيه ويكذبونه وينسبون اليه ما لا يليق بشأنه

وَبعد ما قد بث صلّى الله عليه وسلّم شكواه الى ربه وبسط فيها معه سبحانه ما بسط قال سبحانه تسلية له صلّى الله عليه وسلّم وازالة لشكواه لا تبال بهم وبشأنهم ولا تحزن من سوء فعالهم وخصالهم إذ كَذلِكَ ومثل ما جعلنا لك يا أكمل الرسل اعداء منكرين مكذبين قد جَعَلْنا ايضا لِكُلِّ نَبِيٍّ من الأنبياء الماضين عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ المنكرين المكذبين لهم يسيئون الأدب معهم ويطعنون بكتبهم وصحفهم ولا ينصرونهم ولا يروجون دينهم ولا يقبلون منهم قولهم ودعوتهم وليس هذا مخصوصا بك وبدينك وكتابك وَبالجملة لا تحزن عليهم إذ قد كَفى بِرَبِّكَ اى كفى ربك لك هادِياً يرشدك الى مقصدك ويغلبك على عدوك وَنَصِيراً حسيبا يكفيك ويكف عنك مؤنة شرورهم وعداوتهم وانكارهم

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا على سبيل الإنكار والتكذيب للقرآن والرسول على وجه الاعتراض والاستهزاء لَوْلا هلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً من عند ربه كالكتب الثلاثة على الأنبياء الماضين يعنى انهم قد استدلوا بنزوله منجما على انه ليس من عند الله إذ من سنته سبحانه إنزال الكتب من عنده جملة واحدة كالكتب السالفة قال سبحانه تسلية لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم وردا للمنكرين انما أنزلناه كَذلِكَ اى منجما متفرقا لِنُثَبِّتَ نقوى ونشيد بِهِ فُؤادَكَ يا أكمل الرسل ونمكنك على حفظه نجوما لان حالك مخالف لحال موسى وداود وعيسى صلوات الله عليهم إذ هم اهل الإملاء والإنشاء والكتابة وأنت أمي ولان انزاله عليك بحسب الوقائع والأغراض والإنزال حسب الوقائع والأغراض ادخل في التأييد الإلهي وَلهذه الحكمة العلية والمصلحة السنية قد رَتَّلْناهُ وتلوناه لك وقرأناه عليك تَرْتِيلًا تدريجيا شيأ بعد شيء على التراخي والتؤدة في عرض عشرين سنة او ثلاث وعشرين

وَايضا من جملة حكمة انزاله منجما انه لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ عجيب غريب يضربون لك جدلا ومكابرة في وقت من الأوقات وحال من الحالات على تفاوت طبقاتهم إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ اى قد جئناك بالمثل الحق على طريق البرهان تأييدا لك وترويجا لأمرك ودينك أوضح بيانا وابلغ تبيانا مما قد جاءوا به وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً كشفا وتبيينا وكيف يتأتى لهم المعارضة والمجادلة معك يا أكمل الرسل مع تأييدنا إياك في النشأة الاولى والاخرى وهم في الدنيا مقهورون مغلوبون

وفي الآخرة هم الَّذِينَ يُحْشَرُونَ ويسحبون عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ البعد والخذلان وجحيم الطرد والحرمان وبالجملة أُوْلئِكَ الأشقياء المردودون عن شرف القبول شَرٌّ مَكاناً منقلبا ومصيرا وَأَضَلُّ سَبِيلًا واخطأ طريقا. اهدنا بفضلك سواء سبيلك

ثم أخذ سبحانه في تعداد المنكرين الخارجين على رسل الله المكذبين لهم المسيئين الأدب معهم وما جرى عليهم بسوء صنيعهم من انواع العقوبات والنكبات فقال وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ اى التورية المشتملة على الاحكام ليبين الأنام ما فيها من الأوامر والنواهي المصفية للنفوس المنغمسة بالمعاصي والآثام ليستعدوا بقبول المعارف والحقائق المنتظرة لهم المكنونة في استعداداتهم الفطرية وقابلياتهم الجبلية وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً ظهيرا له يوازره ويعاون له في ترويج دينه وتبيين احكام كتابه وبعد ما ايدناهما بانزال التورية واظهار المعجزات

فَقُلْنَا لهما اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على وحدة ذاتنا واستقلالنا في تصرفات ملكنا وملكوتنا ارادة واختيارا يعنى فرعون وهامان ومن معهما من العصاة والبغاة الهالكين في تيه

<<  <  ج: ص:  >  >>