مقتضى حدوده وَاعلموا ايها المؤمنون أَنَّ اللَّهَ المصلح لأحوالكم تَوَّابٌ لكم يوفقكم على التوبة حَكِيمٌ في عموم أفعاله لا يعاجلكم بالعقوبات كي تتنبهوا عن قبح صنيعكم وترجعوا عن سوء فعالكم لتفوزوا الى ما جبلتم لأجله.
ثم أشار سبحانه الى طهارة ذيل عائشة رضى الله تعالى عنها عما رماها وافتراها اهل الزيغ والضلال جهلا بجلالة قدرها وعلو شأنها وكمال عصمتها وعفتها فقال إِنَّ المسرفين المفسدين الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ اى بالكذب المنصرف عن الحق بمراحل عُصْبَةٌ اى فرقة وعصابة معدودة مِنْكُمْ ظاهرا يريد عبد الله بن ابى وزيد بن رفاعة واحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم فعليكم ايها المؤمنون المقذوفون انه لا تَحْسَبُوهُ ولا تظنوه اى الإفك الذي قد جاءوا به شَرًّا لَكُمْ ولحوق عار عليكم منه بَلْ هُوَ اى إفكهم هذا خَيْرٌ لَكُمْ وثواب عظيم واجر جزيل جميل وظهور كرامة ونزول آيات عظام كرام في برائتكم وطهارتكم وتهويل شأنكم وقد حق وثبت عند الله المنتقم الغيور لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ اى من القاذفين المفترين جزاء مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالإفك الَّذِي قد جاءوا به أولئك المفسدون المفرطون ظلما وزورا ولا سيما المفسد المنافق الذي قد تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ اى معظم الآفكين ورئيسهم وهو ابن ابى الذي تحمل كبره وعظمه وهو القيام الى اذاعته وإشاعته إذ هو بنفسه قد أخذ في افشائه وإشاعته أولا عداوة مع رسول الله ومع اهل بيته لذلك لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ في الدنيا والآخرة إذ هو مهان مطرود بين المؤمنين مشهور بالنفاق والشقاوة وله في الآخرة أشد العذاب
ثم وبخ سبحانه على الآفكين وقرعهم حيث قال لَوْلا وهلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ اى الإفك ايها الآفكون المسرفون لم تظنوا بالمقذوفين خيرا كما ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَلم لم تقولوا مثل ما قالُوا اى المؤمنون المنزهون المطهرون أمثال هذا عن إخوانهم سيما عن اهل بيت العصمة والعفاف هذا إِفْكٌ مُبِينٌ وكذب عظيم وفرية بلا مرية إذ ساحة عصمتها وطهارة ذيلها ونجابة طينتها أجل وأعلى من ان يفترى عليها سيما بأمثال هذه المفتريات الباطلة عصمنا الله عما لا يرضى عنه
لَوْلا جاؤُ اى الآفكون المسرفون وأقاموا عَلَيْهِ اى على إفكهم هذا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ عدولا ثقات يصدقون فيما قالوا فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ الأربع العدول فَأُولئِكَ الآفكون المفترون عِنْدَ اللَّهِ المطلع على ضمائرهم ومخايلهم فيها هُمُ الْكاذِبُونَ المقصورون على الكذب يجازيهم سبحانه بمقتضى ما اقترفوا من الكذب والبهتان سيما مع اهل بيت العصمة والكرامة
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ايها الباهتون المفترون بتوفيقكم على الانابة والرجوع من هذه الفرية العظيمة وَرَحْمَتُهُ الشاملة لكم فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ وأحاط بكم فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ وخضتم في إشاعته واذاعته عَذابٌ عَظِيمٌ عاجلا وآجلا
وكيف لا إِذْ تَلَقَّوْنَهُ أنتم مع نهاية كراهته وسماجته بِأَلْسِنَتِكُمْ سائلا بعضكم بعضا متلقيا على قبوله وسماعه وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ لا ظن ولا يقين بل جهل وتخمين وَمع عظم هذا الجرم عند الله تَحْسَبُونَهُ أنتم ايها الحمقى المفرطون المسرفون هَيِّناً سهلا يسيرا لا يترتب عليه شيء من العذاب والعقاب وَالحال انه هُوَ اى رمى تلك البريئة العفيفة عِنْدَ اللَّهِ المطلع لعفتها وكمال عصمتها عَظِيمٌ فظيع في غاية العظمة والفظاعة مستجلب لانواع العذاب وأشد النكال إذ الافتراء بآحاد الناس يوجب أشد العذاب وأسوأ العقاب فكيف بأفضلهم وأشرفهم