للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعنى لوطا والقرية سدوم معظم بلاد قوم لوط أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها في مرات مرورهم حتى يتذكروا ويتعظوا منها بَلْ كانُوا يرونها في كل مرة إذ هي على طرف الطريق لكن بكفرهم بالله وبكمال قدرته وعزته لا يَرْجُونَ ولا يأملون نُشُوراً اى يوم ينشرون ويحشرون فيه للجزاء ولا يخافون مما سيجرى عليهم فيه لذلك لم يعتبروا ولم يتعظوا منها ومما جرى على أهلها

وَمن كمال استكبارهم وشدة غيظهم معك يا أكمل الرسل إِذا رَأَوْكَ في المرأى إِنْ يَتَّخِذُونَكَ وما يحدثون عنك وفي شأنك إِلَّا هُزُواً كلاما مشعرا بالاستهانة والاستحقار والسخرية حيث يقولون في كل مرة من مرات رؤيتهم بك متهكمين أَهذَا الَّذِي قد بَعَثَ اللَّهُ إليكم رَسُولًا يرشدكم ويهديكم الى توحيد ربه ويقيم لكم الحجج والبراهين ليصرفكم عن الهتكم وآلهة آبائكم واسلافكم

ومن كمال جده وجهده في شأنه ونهاية سعيه واجتهاده إِنْ كادَ اى انه قد قرب لَيُضِلُّنا ويصرفنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا اى ثبتنا أقدامنا ومكنا قلوبنا ووطنا أنفسنا عَلَيْها اى على عبادة آلهتنا لصرفنا عن آلهتنا البتة وأضلنا عن طريق عبادتهم بسعيه التام وجده البليغ المفرط في ترويج دينه واثبات دعواه وكثرة اظهار ما يخيل له انها حجج ومعجزات وكمال فصاحته في تبيينها وبالجملة لولا صبرنا وثباتنا على ديننا لضللنا عن آلهتنا بإضلاله البتة قال سبحانه ردا عليهم على وجه التنذير والتوبيخ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أولئك الحمقى الجاهلون حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ النازل عليهم مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا واخطأ طريقا وأسوأ حالا ومآلا أنتم ايها الجاهلون المصرون على الجهل والعناد أم المؤمنون.

ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ لعامة المشركين المتخذين الها من غير الله سواء كانوا مشركين بالشرك الجلى او الخفى المسندين الأفعال والحوادث الكائنة في عالم الكون والفساد الى الأسباب والوسائل العادية بمقتضى اهوية نفوسهم وما ذلك الا لجهلهم بالله وغفلتهم عن احاطة علمه وقدرته وجميع أوصافه وأسمائه بجميع ما ظهر وبطن وكان ويكون أَرَأَيْتَ اى أخبرني يا أكمل الرسل ان كنت من اهل الخبرة والذكاء أتهدي أنت وترشد بسعيك وجهدك الى طريق التوحيد ودين الإسلام مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ اى من اتخذ هوى نفسه ومشتهى قلبه الها يعبده كعبادة الله قدم المفعول الثاني للعناية والاهتمام أَفَأَنْتَ يا أكمل الرسل تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا حفيظا تحفظه عن متابعة هواه ومقتضى طبعه مع انا قد جبلناه على تلك الشقاوة والغي والغباوة وأثبتناه في لوح قضائنا وحضرة علمنا كذلك

أَمْ تَحْسَبُ أنت وتظن من غاية حرصك وشغفك على ايمان هؤلاء الهلكى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ اى اكثر المشركين يَسْمَعُونَ كلمة التوحيد سمع قبول ورضاء أَوْ يَعْقِلُونَ ويفهمون معناه وليس بينهم عارف متدرب متدبر الا من سبقت له العناية الازلية والتوفيق بل إِنْ هُمْ وما أكثرهم في حدود ذواتهم إِلَّا كَالْأَنْعامِ يأكلون ويمشون وعن السمع والشعور الفطري معزولون بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا منها إذ هم مجبولون على فطرة المعرفة والشعور والانعام ليس كذلك فهم أسوأ حالا منها فكيف لا يكونون أسوأ حالا وأضل سبيلا من الانعام ومع استعدادهم وقابليتهم لقبول فيضان أنوار التوحيد ومعرفة كيفية سريان الوحدة الذاتية وامتداد اظلالها على هياكل المظاهر والموجودات قد صاروا محرومين عنها وعن شواهدها والاطلاع عليها غافلين عن لذاتها مع انهم انما جبوا لان يدركوها ويشاهدوا عليها وينكشفوا بسرائرها ومع ذلك لا يجتهدون في شأنها بل لا يلتفتون ايضا مع انه سبحانه قد أشار إليها وصرح بها في كتابه العزيز إرشادا لنبيه العزيز صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>