للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ المقدر المدبر لأمور عباده حسب ما اقضته الحكمة والمصلحة الرَّحْمنِ عليهم في النشأة الاولى ينبههم عن سنة الغفلة الرَّحِيمِ في النشأة الاخرى يخلصهم عن سجن الطبيعة

[الآيات]

وَحق النَّازِعاتِ المخلصات أرواح المحبين من محابس الطبائع والأركان غَرْقاً لاستغراقهم في لوازم الناسوت ومقتضياتها المغشية صفاء عالم اللاهوت

وَالنَّاشِطاتِ المنزعات المخرجات لنفوس ارباب المحبة والولاء المتشوقين الى عالم العماء وفضاء اللاهوت نَشْطاً رفقا ولطفا بهم لكمال تحننهم وتشوقهم الى الخلاص

وَالسَّابِحاتِ المخرجات أرواح الأبرار المحسنين عن أشباحهم هينات لينات بحيث تقبضهم رفقا ثم تمهلهم حتى يستريحوا ثم تقبضهم هكذا الى ان تخلصهم كالسابح في الماء يتحرك ثم يستريح ثم يتحرك سَبْحاً لكونهم سابحين في بحر الحيرة دائما حتى وصلوا الى بحر اليقين

فَالسَّابِقاتِ اى النفوس الفانية في الله الباقية ببقائه المبادرة الى الخروج قبل نزول النازعات سَبْقاً لكمال شوقهم وانبعاثهم وتجردهم عن ملابس عالم الناسوت وانتزاعهم عن مقتضيات الطبيعة والأركان قبل حلول الأجل وهجوم المخرجات المخلصات

فَالْمُدَبِّراتِ الموكلات على تدابير عموم المظاهر من الأرزاق والآجال وجميع الأمور الجارية في عالم الكون والفساد أَمْراً لكونهم مأمورين بها موكلين عليها بمقتضى حكمة القدير العليم يعنى بحق هذه الحوامل العظام والموكلات الكرام لتبعثن أنتم من قبوركم ولتحاسبن على أعمالكم ايها المكلفون اذكروا

يَوْمَ تَرْجُفُ تتحرك وتضطرب الرَّاجِفَةُ المتقررة الساكنة التي لا حركة لها أصلا كالأرض وسائر الجمادات وبعد تحرك هؤلاء الجوامد

تَتْبَعُهَا في الحركة والاضطراب والاندكاك الرَّادِفَةُ اى العلويات السائرة المتحركة دائما حيث تتشقق السموات وتنتثر الكواكب وبالجملة تختلط العلويات بالسفليات وتتمازجان بحيث لا علو ولا سفل من شدة الهول ونهاية الفزع

قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ قلقة حائرة شديدة الاضطراب

أَبْصارُها اى ابصار اصحاب القلوب حينئذ خاشِعَةٌ شاخصة ذليلة من شدة الخوف والهول المفرط مع ان هؤلاء الشاخصين الواجفين قد كانوا

يَقُولُونَ في النشأة الاولى حين أخبرهم الرسل بالبعث والحشر على سبيل الاستبعاد والإنكار أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ اى الحالة التي قد كنا عليها يعنى انبعث احياء كما كنا من قبل ثم يزيدون الإنكار بقولهم

أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً بالية رميمة نبعث ونحيى كلا وحاشا من اين يتأتى لنا هذا وبعد ما استبعدوا واستكبروا بما استنكروا

قالُوا متهكمين مستهزئين تِلْكَ الحالة المفروضة لو وقعت ورددنا الى الحياة بعد الموت كما زعم هؤلاء المدعون يعنون الرسل لحصل لنا ذلك إِذاً كَرَّةٌ عودة ورجعة خاسِرَةٌ اى ذات خسران وخذلان إذ قد كنا نكذب بها ولا نصدق بمن اخبر وبعد ما وقعت قد كنا خاسرين خسرانا عظيما وبعد ما تقولوا من بطرهم وخيلائهم بما تقولوا قيل لهم من قبل الحق مقرعا على استماع استعداداتهم لا تستبعدوا امر الساعة الموعودة المعهودة ايها المسرفون المفرطون ولا تستصعبوها

فَإِنَّما هِيَ اى امر الساعة وقيامها عند كمال قدرتنا الغالبة القاهرة زَجْرَةٌ واحِدَةٌ اى ما هي الا نفخة واحدة تنفخ في الصور بأمرنا وحكمنا فإذا نفخت النفخة الثانية

فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ اى فاجأت بنى آدم بأجمعهم فصاروا احياء على وجه الأرض كما قد كانوا عليها في النشأة الاولى من الهيآت والأشكال والهياكل والهويات. ثم أشار سبحانه الى تسلية حبيبه صلّى الله عليه وسلّم وحثه على الاصطبار باذيات

<<  <  ج: ص:  >  >>