للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من انواع الفسادات وبمقدار ما تستحقون عليها من العذاب والجزاء وبالجملة

فَكَذَّبُوهُ تكذيبا شديدا وأنكروا عليه إنكارا بليغا ولم يقبلوا قوله فاستحقوا العذاب فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ على الوجه الذي اقترحوا منه بان قد شدد الله عليهم الحر حيث اضطروا الى الاستظلال وذلك يوم قد غلت المياه في الأنهار فأظلتهم السحابة بغتة فازدحموا تحتها مستظلين بها فأمطر الله عليهم نارا فاحترقوا بالمرة إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ لعظم جرمهم وعذابهم فيه

إِنَّ فِي ذلِكَ الأخذ والإنزال والاظلال لَآيَةً عظيمة دالة على كمال قهرنا إياهم وزجرنا وانتقامنا عنهم وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ بقهرنا وغضبنا ومقتضيات اوصافنا الجلالية

وَإِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على عموم المرادات والمقدورات من الثواب والعقاب والانعام والانتقام الرَّحِيمُ على من وفقهم الى مقتضى ما رضى عنهم ويسر لهم الامتثال بما أمرهم ونهاهم هذا آخر القصص السبع المذكورة لتسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدالة على ان المكذبين للرسل مأخوذون بأنواع العذاب مستهلكون بأصناف العقاب والنكال انما ذكر سبحانه ليعتبر منها المعتبرون من المؤمنين ويتفطن المكذبون ما سيلحقهم من العذاب لو أصروا على ما هم عليه من التكذيب والعناد

وَإِنَّهُ اى القرآن لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ كالكتب السالفة قد

نَزَلَ بِهِ بالتخفيف الرُّوحُ الْأَمِينُ كما نزل بسائر الكتب الماضية وهو جبريل عليه السلام سمى به لأمانته على الوحى الإلهي حيث أوصله الى من اليه انزل على وجهه بلا تغيير وتبديل أصلا دائما وانما نزل به

عَلى قَلْبِكَ يا أكمل الرسل لِتَكُونَ أنت ايضا كسائر الرسل مِنَ الْمُنْذِرِينَ لتنذر اهل الغفلة والغرور من قومك كما انذروا لذلك قد أنزله سبحانه

بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ظاهر الدلالة واضح الفحوى مناسبا بلغة من أرسلت إليهم ولو أنزله على لغة العجم كالكتب السابقة لقالت العرب ما نفهم معناه ولا نعرف فحواه ومقتضاه

وَإِنَّهُ اى إنزال القرآن عليك يا أكمل الرسل عربيا لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ مثبتا مزبورا في كتبهم مع نعتك ايضا وحليتك وجميع اوصافك وأسمائك

أَينكرون صدق القرآن وصحة نزوله من عند العليم العلام على محمد صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ولم يكف آيَةً ودليلا تدل على صدقه وحقيته وصحة نزوله من عند الله أَنْ يَعْلَمَهُ ويعرفه ويروى أوصافه عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ وأحبارهم يخبرون به ويقرؤن في كتبهم اسمه واسم من انزل اليه ونعته وحليته

وَلَوْ نَزَّلْناهُ اى القرآن عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ بلسانهم وعلى لغتهم ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ حينئذ البتة معللين بانا لا نفهم معناه ولا نعرف فحواه فكيف عملنا به وامتثلنا بما فيه

كَذلِكَ اى مثل ما قررنا القرآن وأدخلناه في قلوب المؤمنين سَلَكْناهُ وأدخلناه ايضا فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ان المؤمنين قد آمنوا به وامتثلوا بما فيه لصفاء طينتهم والمجرمون

لا يُؤْمِنُونَ بِهِ عنادا ومكابرة لخبث طينتهم حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ المؤلم الملجئ لهم الى الايمان فآمنوا به لكن في وقت لا ينفعهم ايمانهم

فَيَأْتِيَهُمْ العذاب الموعود لهم حينئذ من قبل الحق بَغْتَةً بلا تقديم مقدمة وسبق امارة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ نزوله فَيَقُولُوا بعد ما نزل عليهم ووقعوا فيه متحسرين متحننين هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ممهلون زمانا حتى نتدارك ما قد فوتنا على أنفسنا من الايمان بالله وتصديق كتبه ورسله قيل لهم حينئذ من قبل الحق

أَيستمهلون ويستنظرون أولئك المصرون المسرفون فَبِعَذابِنا هذا قد كانوا يَسْتَعْجِلُونَ فيما مضى مستهزئين متهكمين

<<  <  ج: ص:  >  >>