للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تعط أحدا يعنى لك الخيار والاختيار في المنع والإعطاء بِغَيْرِ حِسابٍ منا عليك وسؤال عن فعلك إذ امره مفوض إليك

وَكيف لا إِنَّ لَهُ اى لسليمان عليه السلام عِنْدَنا وفي ساحة عز حضورنا لَزُلْفى قربة ودرجة قريبة من درجات الوصال وَحُسْنَ مَآبٍ اى خير مرجع ومنقلب من مراتب التمكن في التوحيد والتقرب في مقر القبول

وَاذْكُرْ يا أكمل الرسل عَبْدَنا أَيُّوبَ هو ابن عيص بن اسحق وامرأته ليا بنت يعقوب اضافه سبحانه الى نفسه لكمال رضاه منه ولطفه معه حيث صبر على عموم ما مضى عليه من بلائه وجرى عليه من قضائه وشكر على جميع نعمائه وآلائه ولم ينقص من إخلاصه حالتي السراء والضراء شيء واذكر يا أكمل الرسل كمال تصبر أخيك أيوب وإخلاصه في توجهه إلينا للمتذكرين المعتبرين من أمتك كي يتذكروا من قصته ويتخلقوا من تصبره وتمكنه في مقر التفويض والتسليم

إِذْ نادى رَبَّهُ الذي رباه بين الخوف والرجاء وانواع العناء والعطاء اختبارا لكمال اصطباره ووقاره بما جرى عليه من مقتضيات الإمكان حين اضطراره الى الالتجاء نحو ربه والتضرع اليه أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ اى قد نفخ اللعين في فىّ وأحاط ضرر نفخه جميع أجزاء بدني بحيث لم يبق منى عضو لم يلحقه ضرر من شؤم نفخه وعذاب شديد مؤلم مزعج وبالجملة قد اضطرني هجوم العناء ونزول انواع المحن والبلاء الى بث الشكوى نحوك يا مولاي فانا عبدك وعلى عهدك ما استطعت وما توفيقي الا بك وما ثقتي الا عليك فارحمني بسعة رحمتك إذ لا راحم سواك ولا مغيث غيرك وبعد ما استغاث بنا مخلصا مضطرا راجيا الاجابة والقبول قد أدركته العناية وشملته الرحمة والكرامة من لدنا حيث قلنا له ملهمين إياه

ارْكُضْ واضرب بِرِجْلِكَ على الأرض فركض امتثالا للأمر الوجوبي فنبعت عين جارية ثم قلنا له تعليما وتنبيها هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ يبرد ويبرئ ظاهر جسدك وجلدك من الحرارة العارضة لبدنك من شؤم نفث عدوك الذي خلق من عنصر النار وَشَرابٌ شاف لباطنك من الداء الذي عرض عليك من انحراف مزاجك بسبب خروج اخلاطك عن الاعتدال الفطري بشؤم نفخه وبعد ما سمع أيوب ما سمع اغتسل منه فشرب وبرئ من المرض ظاهرا وباطنا وَبعد ما قد حصل له الصحة والنظافة عناية منا إياه وسقط ساجدا نحونا حامدا لنا شاكرا لأنعمنا مناجيا معنا مخلصا متضرعا

وَهَبْنا لَهُ تتميما لكمال لطفنا إياه وعنايتنا معه أَهْلَهُ اى جميع من مات من أولاده بسقوط السقف وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ يعنى بل وهبنا له إحسانا عليه وامتنانا منا إياه مثل اهله مع اهله وانما فعلنا معه كذلك بعد ما قد ابتليناه واختبرناه ليكون رَحْمَةً مِنَّا إياه وعظة وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ الذين يتذكرون بقصته بعده ويتخلقون بأخلاقه ليفوزوا بما فاز به

وَبعد ما صححناه من الأسقام ووهبنا له اهله وماله وزدنا عليه مثله تفضلا منا إياه أمرناه ثانيا تعليما له بان يتدارك قسمه وحلفه الذي قد حلف في مرضه حين ذهبت امرأته ليا او رحمة بنت أفرائيم بن يوسف لحاجة لها فابطأت قائلا ان برئت عن مرضى لأضربنك مائة جلدة وقلنا له تعليما خُذْ بِيَدِكَ لتدارك حلفك ضِغْثاً حزمة مشتملة على مائة اغصان صغار فَاضْرِبْ بِهِ اى بالضغث امرأتك مرة بحيث وصل اثر جميع ما في الحزمة من الاغصان إليها وَلا تَحْنَثْ حينئذ في حلفك فحللنا يمينك بها عناية منا لك ولا مرأتك فصارت هذه رخصة شرعية باقية في شرائع الأديان الى الآن وكيف لا نزيل شكواء ولا نحسن اليه ولا نجزيه احسن الجزاء إِنَّا وَجَدْناهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>