للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المترتب على النشأة الانسانية ولا عذاب أشد من ذلك

وَمن شدة انكارهم استكبارهم إِذا قِيلَ لَهُمْ على وجه العظة والتذكير آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ اى بجميع ما قد انزل عليكم لتزكية أخلاقكم وأعمالكم قالُوا في الجواب مكابرين حاصرين نحن نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا من عنده سبحانه ونصدق به جميعا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ اى سوى كتابهم وَالحال انه هُوَ الْحَقُّ المنزل من الحق بالحق على الحق لإظهار الحق وهم ايضا يعلمون حقيته ومع ذلك مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ من الكتاب الحق النازل على الحق يعنى التورية موافقا له في أكثر الاحكام وانما كفروا به للحسد والعناد الراسخ في طبائعهم وأحلامهم السخيفة ومبالغتهم في المكابرة والعناد والإصرار على تكذيب هذا الكتاب مع ان الايمان بأحد المتصادقين يوجب الايمان بالآخر وهو دليل على ان لا ايمان لهم بالتورية ايضا بل هم كافرون بها كفرهم بالفرقان لدلالة أفعالهم وأعمالهم على الكفر والإنكار وان أظهروا الايمان بها ظاهرا قُلْ

لهم يا أكمل الرسل إلزاما عليهم فَلِمَ تَقْتُلُونَ ايها المتدينون بدين اليهود المؤمنون المصدقون بالتورية سيما أَنْبِياءَ اللَّهِ الحاملين للتورية العاملين بمقتضاها مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بها مصدقين بجميع ما فيها فثبت انكم لستم بمؤمنين بها ايضا لتخلفكم عن مقتضاها وقتلكم الرسل العاملين بها وتكذيبكم إياهم

وَان أنكروا التكذيب اذكر لهم يا أكمل الرسل لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى المؤيد من لدنا بِالْبَيِّناتِ الواضحات المبينات في التورية الموضحات لطريق التوحيد والايمان فكذبتم موسى عليه السّلام وانكرتم على جميع بيناته ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ المسترذل الها مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد ما ذهب موسى الى الطور للفوائد الاخر المتعلقة لتكميلكم وَبالجملة أَنْتُمْ قوم ظالِمُونَ مجاوزون عن حدود الله ناكبون عن طريق الحق ومنهج الرشد وَان أردت يا أكمل الرسل زيادة إلزامهم واسكاتهم.

اذكر لهم نيابة عنا وقت إِذْ أَخَذْنا منكم ايها الناقضون لعهودنا المنكرون لكتابنا مِيثاقَكُمْ الذي قد واثقتم معنا ثم تركتموه وَالجأناكم على إيفاء ما عهدتم بان رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ معلقا وقلنا لكم استعلاء وتجبرا خُذُوا جميع ما آتَيْناكُمْ على نبيكم من الأوامر والنواهي بِقُوَّةٍ اى جد واجتهاد كامل وَاسْمَعُوا جميع ما فيه من المعارف والحقائق بسمع الرضاء وعلى نية الكشف والشهود وبعد ما سمعوا منا قالُوا ظاهرا سَمِعْنا جميع ما أمرنا به ونهينا عنه وَخفية قالوا عَصَيْنا عنها مع الامتثال بها وَسبب عصيانهم انهم لخساستهم ودنائة طبعهم وركاكة رأيهم قد أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ يعنى تحببوا وتطيبوا في قلوبهم التي هي وعاء الايمان والتوحيد ومحل العرفان واليقين محبة العجل المسترذل المستقبح المستحدث من حليهم وما هي الا بِكُفْرِهِمْ اى بشؤم ما كفروا بالله وبكتبه ورسله وحصروا ظهور الحق في مظهر مخصوص ومع ذلك يدعون الايمان بموسى عليه السّلام قُلْ لهم يا أكمل الرسل تقريعا لهم على وجه التعريض بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ من انكار كتاب الله وتكذيب رسله وقتلهم بغير حق واعتقادكم الشركة مع الله إِنْ كُنْتُمْ صادقين في كونكم مُؤْمِنِينَ

ثم لما اشتهر بين الناس قولهم لن يدخل الجنة الا من كان هودا وامتنع عن قبول الإسلام كثير من القاصدين العازمين لقبوله وتغمم بسبب ذلك ضعفاء المسلمين أشار سبحانه الى دفع هذا المقال مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم فقال قُلْ لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ التي هي منازل الشهداء ومقام العرفاء الأمناء الواصلين الى مرتبة الفناء في الفناء

<<  <  ج: ص:  >  >>