للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبعد ما قد سأل سبحانه عن جريمة شركهم وسألهم ايضا عن تكذيب رسلهم اذكر لهم يا أكمل الرسل يَوْمَ يُنادِيهِمْ الحق فَيَقُولُ سبحانه معاتبا عليهم ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ حين دعوتكم الى الايمان والتوحيد والعمل الصالح والاجتناب عن المحضورات وترك المنكرات

فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ يعنى قد ضلوا وتحيروا عن جميع طرق الكلام وسدت عليهم عموم سبل الاجوبة والتنطق والاخبار مطلقا وما ذلك الا من نهاية دهشتهم وحيرتهم وشدة ولههم وسكرتهم وبالجملة فَهُمْ حينئذ من غاية الهيبة والوحشة والهيمان لا يَتَساءَلُونَ ولا يتقاولون ولا يسأل بعضهم بعضا شيأ مجهولا حتى يعلمه بل كلهم حينئذ حيارى سكارى تائهون هائمون لا يسع لهم ولا يتأتى منهم الالتفات والتلقي أصلا

فَأَمَّا مَنْ تابَ من عموم ما جرى من المعاصي وَآمَنَ بالله بمقتضى ما امره الحق بلسان رسله وأنبيائه وَعَمِلَ عملا صالِحاً امتثالا بما نطق به الكتب والرسل فَعَسى أَنْ يَكُونَ هذا التائب السعيد مِنَ الْمُفْلِحِينَ الفائزين بالتوبة العظمى والدرجة العليا عند الله ومن المبشرين من لدنه سبحانه بشرف اللقاء والوصول الى دار البقاء وسدرة المنتهى

وَرَبُّكَ يا أكمل الرسل يَخْلُقُ ويظهر حسب تجلياته الحبية الجمالية جميع ما يَشاءُ من المظاهر وَيَخْتارُ منها ما يختار فالكل مجبور محكوم تحت قدرته ومشيته ما كانَ وما صح وما جاز وما ثبت لَهُمُ الْخِيَرَةُ والتخير والاختيار مطلقا حتى يريدوا لأنفسهم ما هو الأصلح لهم بل عموم أمورهم وشئونهم وأطوارهم مفوضة الى الله أولا وبالذات مستندة اليه سبحانه اصالة وهم مقهورون مجبورون تحت حكمه وقضائه حسب الارادة والاختيار وكيف لا يكونون مجبورين إذ هم في أنفسهم من عكوس أسمائه وظلال أوصافه ما لهم وجود في أنفسهم وتحقق في ذاتهم سُبْحانَ اللَّهِ المنزه عن المثل والشبه في الوجود وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ له من الشريك والنظير من الوجود

وَرَبُّكَ يا أكمل الرسل يَعْلَمُ بعلمه الحضوري جميع ما تُكِنُّ وتخفى صُدُورُهُمْ اى ضمائرهم وقلوبهم وَما يُعْلِنُونَ اى يظهرون بجوارحهم وآلاتهم

وَكيف يخفى عليه شيء إذ هُوَ اللَّهُ الواجب لذاته المستقل في وجوده وظهوره المستوي على عروش عموم مظاهره ومصنوعاته بالاستقلال التام والاستيلاء الكامل لا إِلهَ في الوجود سواه ولا موجود غيره يعبد ولا عالم لعموم ما ظهر وما بطن إِلَّا هُوَ لذلك قد ثبت لَهُ الْحَمْدُ والثناء على الإطلاق الصادر من ألسنة ذرائر الأكوان والمظاهر وعموم من رش عليه من رشحات جوده ولمعات وجوده فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ من نشأتى الظهور والخفأ والبروز والكمون والقبض والبسط وَلَهُ الْحُكْمُ والأمر في الصعود والهبوط والنزول والعروج وكذا في عموم الشئون والتطورات وَبالجملة إِلَيْهِ لا الى غيره إذ لا غير معه في الوجود ولا شيء سواه في عين الشهود تُرْجَعُونَ وتحشرون كما انه منه تبدؤن وتنشئون. ثم أشار سبحانه الى معظم ما أنعم على عباده من تجدد الملوين وتعاقب الجديدين امتنانا لهم وحثا على مواظبة شكره ومداومة ذكره والتذكر بانعامه وإحسانه وتعريضا للمشركين على كفرهم وكفرانهم فقال آمرا لحبيبه صلّى الله عليه وسلم

قُلْ يا أكمل الرسل للناس الناسين توالى نعمنا المتوالية المترادفة عليهم مستفهما إياهم مستخبرا عنهم على سبيل التنبيه والتذكير أَرَأَيْتُمْ اى أخبروني ايها المغموزون بموائد نعمى إِنْ جَعَلَ اللَّهُ المحول للأحوال المدبر لعموم التدابير والأطوار عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ المظلم والعدم الصرف سَرْمَداً ممتدا مستمرا بلا تخلل ضوء الوجود بينه إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>