للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقولهم فنسبوك الى ما لا يليق بشأنك عنادا واستكبارا

مع انه قد تَبارَكَ وتعالى ربك الَّذِي رباك بأنواع الكرامات الخارقة للعادات الشاملة لانواع السعادات المعدة لأرباب الشهود والمكاشفات وكذا بأصناف المعجزات الباهرة الدالة على صدقك في جميع ما جئت به من قبل ربك من الآيات البينات وانواع الخيرات والبركات ومع ذلك إِنْ شاءَ ربك وتعلقت مشيئته وارادته جَعَلَ لَكَ يا أكمل الرسل واعطاك في النشأة الاولى ايضا خَيْراً واحسن مِنْ ذلِكَ اى مما قالوا أولئك المسرفون المفرطون وأملوا لك تهكما واستهزاء ولكن قد اخره سبحانه الى النشأة الاخرى إذ هي خير وأبقى والتنعم فيها ألذ واولى إذ اللذات الاخروية انما هي مؤبدة مخلدة بلا انقطاع ولا انصرام. ثم بين سبحانه ما هيأ لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم وما أعد لأجله جَنَّاتٍ متنزهات العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق المتجددة بتجددات التجليات الإلهية بمقتضى الكمالات الاسمائية والصفاتية وَيَجْعَلْ لَكَ ايضا فيها قُصُوراً عاليات ودرجات مرتفعات متعاليات عن مدارك ذوى العقول والإدراك مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهم من قصور نظرهم وعمى قلوبهم في هذه النشأة لا يلتفتون في أمثال هذه الكرامات العلية الاخروية

بَلْ هم بمقتضى أحلامهم السخيفة قد كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ الموعودة المعهودة وكذا بجميع ما يترتب عليها من المثوبات السنية والدرجات العلية ومن العقوبات والدركات الهوية إذ نظرهم مقصور على هذا الأرذل الأدنى وما فيه وَلهذه قد أَعْتَدْنا وهيئنا بمقتضى قهرنا وجلالنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ وبالأمور الموعودة فيها سَعِيراً نارا مسعرة متلهبة في غاية التلهب ونهاية الاشتعال

بحيث إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يعنى إذا كانوا بمرأى العين منها مع انهم بعيد عنها بمسافة طويلة قد سَمِعُوا لَها مع بعدها تَغَيُّظاً صوتا كصوت المغتاظ من شدة تلهبها وغليانها وَزَفِيراً ايضا كزفرة المغتاظ والزفرة في الأصل ترديد النفس بحيث تنتفخ عند خروجها الضلوع والجوانب يعنى من شدة غيظها لهم تغلى وتتلهب تلهبا شديدا وغليانا مفرطا وتردد نفسها ترديدا بليغا حتى يردوا فيها وهبطوا إليها

وَإِذا أُلْقُوا مِنْها اى من النار مَكاناً اى في مكان من أماكنها قد صار ذلك المكان ضَيِّقاً لهم من تشدد العذاب عليهم بحيث صار كل منهم من ضيق مكانهم كأنهم مُقَرَّنِينَ قد قرنت أيديهم الى أعناقهم بالسلاسل والأغلال وبالجملة قد دَعَوْا وتمنوا حينئذ من شدة حزنهم وكربهم هُنالِكَ ثُبُوراً هلاكا وويلا قائلين صائحين صارخين وا ثبوراه وا ويلاه تعال تعال فهذا وقت حلولك وأوان نزولك

ويقال لهم حينئذ لا تَدْعُوا ولا تتمنوا ايها الجاهلون الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً بل وَادْعُوا فيه ثُبُوراً كَثِيراً إذ انواع العذاب يتجدد عليكم دائما مستمرا فاطلبوا لكل منها ثبورا

قُلْ يا أكمل الرسل موبخا عليهم ومقرعا لهم ومعيرا عليهم بعد ما بينت لهم منقلبهم ومثواهم في الآخرة أَذلِكَ السعير الذي قد سمعتم وصفه او المعنى إذ لك الجنة التي قد املتم لنا مستهزئين من جنات الدنيا ومتنزهاتها خَيْرٌ مرجعا ومصيرا أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ المؤبد المخلد أهلها ونعيمها فيها بلا تبديل ولا تغيير الَّتِي قد وُعِدَ الْمُتَّقُونَ بها وبدخولها والخلود فيها حتى كانَتْ لَهُمْ جَزاءً لاعمالهم الصالحة التي قد أتوا بها في النشأة الاولى وصارت بدلا من مستلذاتها الفانية وَمَصِيراً اى مرجعا ومنقلبا لهم بعد ما خرجوا من الدنيا الدنية

مع ان لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ من النعيم المقيم الدائم لكونهم

<<  <  ج: ص:  >  >>