للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتمكنوا بسببها على إسقاط عموم الإضافات العائقة عن الوصول الى وحدة الذات وَبالجملة هُمْ في عموم شئونهم وحالاتهم بِالْآخِرَةِ المعدة لجزاء الأعمال وتنقيد الأفعال هُمْ يُوقِنُونَ علما وعينا لان ارباب الخبرة والبصيرة المنكشفين بتعاقب النشأتين يرون في النشأة الاولى ما سيحلقهم في الاخرى لذلك يترددون في الاولى للأخرى ويزرعون فيها ما يحصدون فيها. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه

إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ولا يصدقون بِالْآخِرَةِ عنادا ومكابرة قد زَيَّنَّا وحسنا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ القبيحة الفاسدة الدنيوية وامهلناهم عليها زمانا ليستحقوا أشد العذاب وأسوأ العقاب فَهُمْ بواسطة امهالنا إياهم في سكرتهم وغفلتهم يَعْمَهُونَ يترددون ويتحيرون بطرين بما لهم من التنعم والترفه وبالجملة

أُوْلئِكَ البعداء عن عز الحضور الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ في النشأة الاولى إذ هم مترددون في اودية الإمكان بأنواع الخيبة والحرمان مقيدون بأصناف الأماني والآمال الطوال في بيداء الوهم والخيال وصحراء الحيرة والضلال لا نجاة لهم منها ولا ثبات لهم فيها وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ المقصورون على الخسران الأبدي والخذلان السرمدي لا يرجى لهم نيل مثوبة ورفع درجة وتخفيف عذاب وقبول شفاعة ولا خسران أعظم من ذلك لذلك قد أصاب يوم بدر ما أصاب ويصيب لهم في الآخرة بأضعافه وآلافه قال سبحانه مخاطبا لحبيبه تفضلا عليه وامتنانا له في انزاله القرآن اليه ووحيه عليه

وَإِنَّكَ يا أكمل الرسل لنجابة طينتك وطهارة فطنتك وفطرتك لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ ويؤتى بك وينزل إليك مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ مبالغ في الإتقان والاحكام عَلِيمٍ باستعدادات الأنام وقابلياتهم التي بها تتفاوت طبقاتهم فضلا وكرامة. ثم أخذ سبحانه بتعداد بعض ارباب الطبقات والكرامات حثا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم الى التوجه نحوه والتحنن اليه والمواظبة على شكر نعمه فبدأ بموسى صلوات الرحمن عليه وسلامه فقال مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم اذكر يا أكمل الرسل وقت

إِذْ قالَ أخوك مُوسى الكليم صلوات الرحمن عليه وسلامه لِأَهْلِهِ وزوجته ابنة شعيب عليه السلام حين سار معها من مدين الرشد الى مصر وهي حاملة والليلة شاتية مظلمة وهم ضالون عن الطريق فجاءها الطلق واضطر موسى في أمرها فرأى شعلة نار من بعيد فقال لأهله اثبتوا مكانكم إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ هذه الساعة مِنْها بِخَبَرٍ عن الطريق يخبر به من عندها إذ النار قلما تخلو عن ناس موقدين لها أَوْ آتِيكُمْ ان لم أجد عندها أحدا بِشِهابٍ اى جمر ذي قَبَسٍ اى مقتبس مشتعل منها لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ وتستدفئون من البرد وتستضيئون منها للطريق فاستقروا في مكانهم فذهب موسى نحوها

فَلَمَّا جاءَها اى النار ووصل عندها نُودِيَ من وراء سرادقات العز والجلال تكريما لموسى وتعظيما له وتنبيها عليه من ان مرجع جميع مقاصدك وحوائجك هو الحق فاطلبه وصل اليه حتى تجد عنده عموم مقاصدك أَنْ بُورِكَ اى الشأن انه قد اكثر عليك الخير والبركات يا موسى مَنْ فِي النَّارِ اى من ظهر فيها ولاح عليها وَمَنْ ظهر حَوْلَها اى أطرافها وحواليها إذ هو سبحانه محيط بعموم الأماكن والجهات ظاهر منها متجل عليها غير متمكن فيها وَبعد ما تحققت بشهود الحق من جميع الأماكن ومن عموم الأشياء نزه ذاته عن الحلول فيها والاتحاد بها فقل سُبْحانَ اللَّهِ المنزه عن الأماكن كلها المتجلى في جميعها رَبِّ الْعالَمِينَ يربيها بدوام التجلي الحبى عليها وبامتداد الاظلال والعكوس الفائضة منه سبحانه عليها المظهرة لها المربية إياها

<<  <  ج: ص:  >  >>