للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الجهل بالله والتعامي عن مطالعة آياته الدالة على توحيده واتصافه بالأوصاف الذاتية وعن ملاحظة آثاره البديعة وصنائعه العجيبة الغريبة وهم من غاية انهماكهم في ظلمات غفلاتهم وجهالاتهم وكمال غيهم وضلالاتهم إذا أمعنوا نظرهم الى مشاهدة ما في نفوسهم من غرائب صنع الله وبدائع حكمته لم يقربوا ان يكونوا قابلين مترصدين مستعدين للوقوف عليها فكيف الشهود والاطلاع بها بالفعل كل ذلك لتركب جهلهم المركوز في جبلتهم واصل فطرتهم وَبالجملة مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ الهادي لعباده الى زلال توحيده لَهُ نُوراً لا معا من جذبة التوفيق او جذوة من نار المحبة الصادقة والمودة الصافية عن مطلق الكدورات يهدى به التائهين الى مقصد توحيده فَما لَهُ من نفسه وبمجرد كسبه وسعيه مِنْ نُورٍ يرشده اليه سبحانه ويوصله الى فضاء وحدته وصفاء جنته. هب لنا من لدنك نورا نهتدي به الى ما قد جبلنا لأجله بفضلك وجودك يا ذا القوة المتين

أَلَمْ تَرَ ولم تعلم ايها المعتبر الرائي أَنَّ اللَّهَ المتوحد برداء العظمة والكبرياء المستقل بالوجود الحقيقي اللائق بكمال الكرامة والجود يُسَبِّحُ لَهُ ويقدس ذاته سبحانه عن جميع ما لا يليق بشأنه لا سيما من شوب النقص وسمات الحدوث والإمكان جميع مَنْ فِي السَّماواتِ من المجبولين على فطرة المعرفة المتوجهين نحو المبدع طوعا وَكذا جميع من في الْأَرْضِ ايضا كذلك وَكذا الطَّيْرُ في جو الهواء الواقع بين الأرض والسماء يسبحن له ويقدسن ذاته صَافَّاتٍ باسطات أجنحتهن في الجو كُلٌّ اى كل واحد من المسبحين السماويين والارضيين والهوائيين قَدْ عَلِمَ وأدرك صَلاتَهُ وميله الى ربه الذي أوجده وأظهره وَتَسْبِيحَهُ الذي قد سبح ونزه به مبدعه عما لا يليق بشأنه وَبالجملة اللَّهَ المتصف بالأسماء الحسنى والصفات العليا عَلِيمٌ بعلمه الحضوري بِما يَفْعَلُونَ اى بجميع ما صدر عنهم من التوجه والتسبيح وباخلاصهم فيه

وَكيف لا يعلم سبحانه افعال عباده ومماليكه إذ لِلَّهِ المظهر المبدع ابتداء وانتهاء مُلْكُ السَّماواتِ وجميع من فيها وما فيها وَالْأَرْضِ ومن عليها ومما عليها فله التصرف فيهما وفيما بينهما وفيما امتزج وتركب منهما وفيهما بالاستقلال والاختيار بلا مزاحمة الاضداد والأغيار وَكيف لا إِلَى اللَّهِ لا الى غيره من الاظلال الهالكة في بيداء الضلال الْمَصِيرُ اى المرجع والمنتهى إذ الكل منه بدأ واليه يعود كما بدأ وكيف لا هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء كائن وسيكون ازلا وابدا عليم خبير يظهره ويعدمه حسب علمه وخبرته بإرادته واختياره

أَلَمْ تَرَ ايها الرائي أَنَّ اللَّهَ المتكفل بارزاق عباده كيف يُزْجِي ويسوق أجزاء الابخرة والادخنة الى فوق متفرقة ليجعلها سَحاباً هامرا ثُمَّ يُؤَلِّفُ ويركب بَيْنَهُ اى بين أجزاء السحاب ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً متراكما متكافئا متصلا لتتكون منها مياه كثيرة ثم يجعل له فتوقا ومنافذ فَتَرَى ايها الناظر المعتبر الْوَدْقَ اى المطر المتقاطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وفتوقه عناية منه سبحانه لمن في حوزة فضله وجوده وَكذا يُنَزِّلُ مِنَ جانب السَّماءِ مِنْ جِبالٍ من قطع سحاب متراكم في الجو على هيئة الجبال الرواسي فِيها مِنْ بَرَدٍ متكون من الابخرة والادخنة الواصلة الى الطبقة الزمهريرية من الهواء وصولا تاما الى حيث قد انجمدت انجمادا صلبا كالحجر من شدة البرودة فينزل منها إظهارا لقهره سبحانه وتنبيها على صولة سطوة صفاته الجلالية فَيُصِيبُ بِهِ سبحانه مَنْ يَشاءُ من عباده ممن سبق له القهر والغضب منه سبحانه في سابق علمه بمقتضى جلاله وَيَصْرِفُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>