للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اى يصرف شره عَنْ مَنْ يَشاءُ من اهل العناية على مقتضى لطفه وجماله ومن امارات غضب الله وقهره انه يَكادُ ويقرب سَنا بَرْقِهِ اللامع ضوؤه الحاصل منه في كمال الظلمة حالة الاصطكاك يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ الناظرة نحوه ويخطفها بحدوث الضد من الضد فجاءة وذلك من أقوى الأسباب لتفريق البصر

وكيف لا يخطف سبحانه الأبصار حينئذ إذ يُقَلِّبُ اللَّهُ المحول للأحوال بكمال الاختيار والاستقلال فيه اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بغتة بلا تراخ ومهلة اظهار الكمال قدرته واختياره واستقلاله بالتصرف في مظاهره ومصنوعاته إِنَّ فِي ذلِكَ التبديل والقلب واحداث الضد من الضد بغتة لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ المنكشفين بوحدة الواجب وصفاته الذاتية التي هي منشأ عموم ما ظهر وما بطن من الكوائن والفواسد بإرادته واختياره المستدلين من آثار أوصافه وأسمائه لعلو شأنه وسمو برهانه المتيقنين بوحدة ذاته وتنزهه عن وصمة الكثرة والشركة مطلقا

وَاللَّهُ المتوحد بذاته المتعزز بكمالات أسمائه وصفاته خَلَقَ اظهر وقدر كُلَّ دَابَّةٍ تتحرك على الأرض مِنْ ماءٍ هو العنصر الأصلي لوجود الحيوانات إذ هو مبدأ حركاتهم ومنشأ احساساتهم وادراكاتهم لذلك خص بالذكر من بين العناصر وان كانت مركبة من جميعها فَمِنْهُمْ اى من الدواب ذكر الضمير وجمع جمع العقلاء على سبيل التغليب إذ منها مَنْ يَمْشِي ويرجف عَلى بَطْنِهِ بلا آلة المشي كالحية وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ كالطير والإنسان وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ كالنعم والوحوش وبالجملة يَخْلُقُ اللَّهُ القادر المقتدر على مطلق الخلق والإيجاد ما يَشاءُ من الموجودات والمخلوقات ارادة واختيارا إِنَّ اللَّهَ المتصف بصفات الكمال عَلى كُلِّ شَيْءٍ داخل في حيطة حضرة علمه المحيط قَدِيرٌ بإيجاده وإظهاره في فضاء العلياء حسب حضرة قدرته بلا فتور وقصور.

ثم قال سبحانه تحريكا لحمية عباده وتشييدا لبنيان اعتقاداتهم بالله وبوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته لَقَدْ أَنْزَلْنا من مقام لطفنا وجودنا إليكم ايها المحبوسون في مضيق الإمكان المقيدون بسلاسل الكفران وأغلال العصيان آياتٍ مُبَيِّناتٍ موضحات واضحات مفصلات دالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا واقتدارنا على انواع الانعام والانتقام لعلكم تتفطنون منها الى علو شأننا وكمال سطوتنا وسلطاننا مع ان أكثركم لا تتفطنون ولا تتنبهون لانهماككم في بحر الغفلة والضلال وَاللَّهُ الهادي لعباده يَهْدِي بفضله مَنْ يَشاءُ هدايته منهم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى كعبة توحيده ووحدة ذاته بلا عوج وانحراف

وَمن انحراف المنافقين وانصرافهم عن طريق الحق وميلهم الى الباطل يَقُولُونَ بأفواههم خوفا من دمائهم وأموالهم آمَنَّا بِاللَّهِ المتوحد في ذاته وَبِالرَّسُولِ المرسل من عنده لتبليغ دينه وآياته وَأَطَعْنا حكم الله وحكم رسوله سمعا وطاعة ثُمَّ يَتَوَلَّى اى يعرض وينصرف فَرِيقٌ مِنْهُمْ اى من المنافقين مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الإقرار والاعتراف عن حكم الله وحكم رسوله تكذيبا لنفسه من الايمان باللسان وإظهارا لما في قلبه من الكفر والنفاق وَبالجملة ما أُولئِكَ الأشقياء المردودون بِالْمُؤْمِنِينَ وليسوا متفقين معهم حقيقة وان أقروا واعترفوا على طرف اللسان خوفا إذ الايمان من فعل القلب واللسان مترجم له

وَكيف كانوا مؤمنين أولئك المنافقون مع انهم إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ المصلح لأحوال عباده وَكذا الى رَسُولِهِ المستخلف منه سبحانه النائب عنه باذنه لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ويقطع نزاعهم إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ اى فاجؤا الى الاعراض

<<  <  ج: ص:  >  >>