للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صدقى في دعواي اشْرَحْ لِي صَدْرِي ووسع لي قلبي بحيث لا اخطر ببالي خوفا من العدو أصلا

وَمع ذلك يَسِّرْ وسهل لِي أَمْرِي هذا بحيث لا اضطرب في التبليغ ولا استوحش من جاه فرعون وشوكته

وَمتى شرعت لأداء الرسالة احْلُلْ وارفع عُقْدَةً مِنْ لِسانِي لكنة عارضة من مهابة العدو سيما هذا الطاغي المتجبر مع ان اللكنة خلقية لي

يَفْقَهُوا قَوْلِي وغرضي منه

وَبعد ما وفقتني لأداء رسالتك يا ربي اجْعَلْ لِي وَزِيراً ظهيرا يصدقني في امرى ويعينني عليه ولا تجعل ظهيري من الأجانب لقلة شفقتهم وعطفهم على بل اجعل ظهيري يا ربي مِنْ أَهْلِي وأقربهم بي واولى بمعاونتى

هو هارُونَ إذ هو أَخِي الأكبر بمنزلة ابى في الشفقة ومتى جعلت أخي هارون ظهيري ووزيري

اشْدُدْ بِهِ وقوّ بسببه واحكم بإقامته يا معينى أَزْرِي ظهري

وَلا يتحقق تقويته على حقيقة الا بعد اشتراكه معى في امر الرسالة أَشْرِكْهُ بلطفك يا ربي فِي أَمْرِي ورسالتي بان تكشف أنت بلطفك عليه حقيقة الأمر والتوحيد كما كشفت لي ليكون هو ايضا من المكاشفين الموقنين بوحدانيتك ومن الممتثلين بأوامرك المجتنبين عن نواهيك

وانما سألتك يا ربي الإعانة بأخي كَيْ نُسَبِّحَكَ ونقدس ذاتك عما لا يليق بشأنك تقديسا

كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ ونناجى معك بذكر أسمائك الحسنى وصفاتك العظمى ذكرا كَثِيراً وكيف لا نسبحك ونذكرك

إِنَّكَ بذاتك وأسمائك واوصافك قد كُنْتَ محيطا بِنا بَصِيراً لعموم أحوالنا وبعد ما ناجى موسى مع ربه ما ناجى

قالَ تعالى رفقا له وامتنانا عليه لرجوعه نحوه بالكلية قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ونعطيك عموم مسئولك وقد حصل لك جميع مطالبك لتوجهك علينا ورجوعك إلينا يا مُوسى

كيف وَلَقَدْ أنعمنا عليك من قبل حين لا ترقب لك ولا شعور بان مَنَنَّا عَلَيْكَ من وفور رحمتنا وشفقتنا لك مَرَّةً أُخْرى

وقت إِذْ أَوْحَيْنا وألقينا إِلى قلب أُمِّكَ ما يُوحى وما يلهم عند نزول البلاء على قلوب الأحباء ليتخلصوا عن ورطة الهلاك وذلك حين احاطة شرطة فرعون المأمورين من عنده لعنه الله بقتل أبناء بنى إسرائيل على بيت أمك ليقتلوك ظلما فاضطربت أمك وأيست من حياتك فالهمناها حينئذ

أَنِ اقْذِفِيهِ واطرحيه فِي التَّابُوتِ المصنوع من الخشب فاتخذت تابوتا ووضعتك فيه ثم ألهمناها ثانيا إذا وضعت فيه توكلي على خالقه وحافظه وفوضى امره اليه فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ يعنى النيل ولا تخافي من غرقه فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ البتة إذ من عادة الماء إلقاء ما فيه الى جانبه فإذا قرب من الساحل ورآه الناس يَأْخُذْهُ يأمر بأخذه عَدُوٌّ لِي يعنى فرعون المفرط بدعوى الألوهية لنفسه وَعَدُوٌّ لَهُ يعنى الوليد إذ هو من أبناء بنى إسرائيل وهو عدو لهم بل هو سبب عداوة جميعهم في الحقيقة وَبعد ما امر عدوك بأخذك والتقاطك من البحر يا موسى قد أَلْقَيْتُ من كمال قدرتي ووفور حولي وقوتي في نفس فرعون لعنه الله وزوجته آسية رضى الله عنها وجميع اهل بيته عَلَيْكَ على حفظك وحضانتك يا موسى مَحَبَّةً عظيمة في قلوبهم مع شدة عداوتهم معك وقد كانت تلك المحبة صادرة مِنِّي بارزة من هوياتهم منشعبة من محبتي إياك حفظا لك وإظهارا لكمال قدرتي بان أربيك في يد عدوك فتكون أنت سببا لهلاكه وَانما ألقيت في قلوبهم المحبة الصادرة الناشئة منى لِتُصْنَعَ ولتربى أنت وان كنت بيد العدو ظاهرا عَلى عَيْنِي اى اعيان أوصافي وأسمائي إذ الكل بعد ما انخلعوا عن اكسية هوياتهم الباطلة وتجردوا عن جلباب ناسوتهم العاطلة

<<  <  ج: ص:  >  >>