للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسآمة ثم لما رأى يوسف منهم ما رأى من الندامة المفرطة والخجل الغير المتناهي والخذلان المتجاوز عن الحد وانواع الخيبة والخسران

قالَ لهم تسلية عليهم وتزكية لنفسه بمقتضى نجابة طينته وكرامة فطرته لا تَثْرِيبَ اى لا لوم ولا تقريع عَلَيْكُمُ منى في حال من الأحوال سيما الْيَوْمَ الذي أنتم تعتذرون فيه وتستعفون عنى فاعلموا انى قد عفوت لكم مالي من الحقوق عليكم وقد ابرأت ذمتكم عنها جميعا بل يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ بعد ما استغفرتم اليه مخلصين وَهُوَ سبحانه في ذاته أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ إذ رحم عموم الرحماء انما هو منه ومن ظل رحمته التي وسعت كل شيء وبعد تسليتهم وعفوهم وأخلاء الرعب عن خواطرهم أمرهم بالذهاب سريعا نحو أبيهم المحزون المغبون ليخلص عما عليه من الحزن المفرط والكآبة الغير المتناهية

فقال اذْهَبُوا يا إخوتي بِقَمِيصِي هذا وهو عليه فأخرجه ولفه بلا تنقية وغسل فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ يرجع ويصر بَصِيراً قريرا بعد ما كان مكفوفا ضريرا فاقد العينين وَبعد ما صار بصيرا صحيحا سالما سويا أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ وبجميع ما ينسب إليكم من النسوان والذراري والخدم والحشم

أَجْمَعِينَ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ وخرجت الركب والقفل من عمران مصر نحو كنعان قالَ أَبُوهُمْ لمن في صحبته من المؤمنين له إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ وتسفهوني ايها الحضار وتنسبونى الى نقصان العقل والخرف لصدقتمونى

قالُوا اى المؤمنون الحاضرون عنده تَاللَّهِ إِنَّكَ بتذكير يوسف ومن كثرة تخطيره ببالك لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ اى في ضلالك الذي قد كنت عليه زمانا مستمرا وهو وان سفهه القوم ومنعوه بتزايد شوقه ووجده زمانا فزمانا يترقى اشفاقه ونوحه ساعة فساعة

فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ وهو يهودا مع القميص أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ على الوجه المأمور به فَارْتَدَّ رد وعاد فجأة بَصِيراً كما كان في سالف الزمان فشكر الله وحمده وسجد له سبحانه سجدة شكر على وجه الخضوع والخشوع وكمال التذلل والتفويض. ثم لما رفع رأسه من سجوده قالَ لبنيه ولحضار مجلسه أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يا قوم حين لمتمونى بالاسف والحزن المفرط وكثرة المناجاة مع الله ورفع الحاجات اليه سبحانه لملاقاة يوسف إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ كرم اللَّهِ ومن سعة رحمته وجوده ما لا تَعْلَمُونَ أنتم ايها اللائمون ثم لما سر يعقوب عليه السّلام وخلص من المحن والشدائد وقر عيناه

قالُوا اى بنوه منادين له متضرعين اليه متحننين نحوه يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا التي قد كنا نعمل معك ومع من أحببته واخترته علينا إِنَّا فيما فعلنا من الجرائم العظام وانواع المعاصي والآثام قد كُنَّا خاطِئِينَ جاهلين عن عواقبها وما تؤل اليه إذ هي من جملة ما قد قضى الله إيانا وحكم علينا لا مرد لقضاء الله ولا معقب لحكمه ثم لما تفرس يعقوب عليه السّلام منهم الإخلاص والانابة الصادقة والندامة الخالصة والرجوع عن ظهر القلب

قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ في ذاته هُوَ الْغَفُورُ لذنوب عباده لا غافر لهم سواه سبحانه سيما لمن قد أخلصوا في رجوعهم وتوجههم نادمين الرَّحِيمُ لهم يقبل توبتهم وما سوف عليه السّلام امر استغفارهم الا الى ملاقاة يوسف عليه السّلام والمشورة معه ويدل عليه ما روى ان يعقوب عليه السّلام استقبل القبلة قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفه اذلة خاشعين حتى نزل جبريل عليه السّلام فقال ان الله قد أجاب دعوتك في حق ابنائك وقد عقد سبحانه مواثيقهم بعدك على النبوة ثم لما صمموا عزم الرحيل الى مصر وشدوا ركائبهم وساروا حتى وصلوا الى قربها فسمع يوسف بقدومهم وخرج الى استقبالهم

<<  <  ج: ص:  >  >>