للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإتقان ومع ذلك فَما تُغْنِ النُّذُرُ وما تفيدهم انذاراتهم أصلا إذ هم اى أولئك الضالون المسرفون المفرطون مجبولون على الغواية والبلادة المتناهية أمثال هؤلاء الغواة الطغاة المصرين على انواع العتو والعناد معك يا أكمل الرسل وبالجملة

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ واعرض عن دعوتهم وإرشادهم وانتظر يَوْمَ يَدْعُ ويناد الدَّاعِ المنادى ألا وهو اسرافيل عليه السلام ودعاؤه كناية عن نفخه في الصور للبعث والحشر إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ فظيع فجيع تنكره النفوس إذ لم يعهد مثله ألا وهو هول يوم القيامة المعدة للحساب والجزاء بعد ما سمعوا النداء الهائل والصداء المهول

خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ اى شاخصة ذليلة كالتائه الهائب الهائل يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ اى قبورهم التي هم مدفونون فيها في عالم البرزخ ويتحركون على الأرض كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ في الكثرة والانتشار الى الأماكن فيتوجهون

مُهْطِعِينَ مسرعين إِلَى الدَّاعِ المنادى مادين أعناقهم نحوه من شدة خوفهم وهولهم ليعلموا لم يدعوهم ومن شدة تلك الساعة وأهوالها وفظاعتها يَقُولُ الْكافِرُونَ في نجواهم وفي هواجس نفوسهم هذا يَوْمٌ عَسِرٌ صعب في غاية الصعوبة والفظاعة. ثم قال سبحانه تسلية لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم حين اغتم من تكذيب قومه إياه حاكيا له صلّى الله عليه وسلّم عن احوال الأنبياء الماضين وما جرى عليهم من اقوامهم تفريجا لهمه وازالة لحزنه

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى قبل قومك يا أكمل الرسل قَوْمُ نُوحٍ أخاك نوحا عليه السلام يعنى لا تحزن يا أكمل الرسل من تكذيب هؤلاء الجهلة المكذبين ولا تغتم من اذياتهم إذ ما هي ببدع منهم بالنسبة إليك بل تذكر قصة قوم نوح فَكَذَّبُوا عَبْدَنا اى كيف كذبوا أخاك نوحا وَقالُوا له حين دعاهم الى الايمان على سبيل الاستهانة والاستهزاء هذا مَجْنُونٌ مخبط العقل مختل الرأى وَازْدُجِرَ وزجر لأجل دعوته وتبليغه إياهم الوحى الى حيث قد لطمه كل من يصل اليه ورماه بالحجارة كل من يمر عليه فصبر على أذاهم وبالغ في دعوته إياهم وبعد ما بلغت الاذية غايتها والاهانة نهايتها

فَدَعا رَبَّهُ دعاء مؤمل ضريع فجيع أَنِّي اى بانى على قراءة الفتح او قال انى بالكسر مَغْلُوبٌ قد غلبني هؤلاء الغواة ولم يقبلوا منى دعوتي وهدايتي فَانْتَصِرْ على يا ربي وانتقم عنى منهم وما دعا عليهم الا بعد يأسه عن ايمانهم. روى انه كان يدعو كل واحد منهم جميعا وفرادى فيضربونه ويخنقونه حتى يخر مغشيا عليه ثم لما أفاق قال اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وبعد ما قنط وبلغ الزجر غايته تضرع نحونا مشتكيا من قومه

فَفَتَحْنا بعد ما أردنا هلاكهم وانتقامهم أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ منصب كأنه يجرى من جانب السماء على وجه الجري والتوالي بلا تقاطر

وَكذا فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً اى قد فجرنا عيون الأرض وصيرناها كأنها عيون كلها بل عين واحدة فَالْتَقَى الْماءُ الحاصل من كلا الجانبين وبلغا عَلى أَمْرٍ شأن واحد قَدْ قُدِرَ اى قدره الحق في حضرة علمه ولوح قضائه لإهلاك أولئك الطغاة البغاة وإغراقهم

وَبعد ما طغى الماء وطاف حول الأرض قد حَمَلْناهُ اى نوحا ومن تبعه عَلى ذاتِ أَلْواحٍ اى سفينة ذات أخشاب عراض طوال وَدُسُرٍ مسامير مطولة وصيرناها بحيث

تَجْرِي السفينة بِأَعْيُنِنا وبكنف حفظنا وحضانتنا وانما فعلنا مع نوح وقومه ما فعلنا ليكون جَزاءً حسنا له وسيئا لِمَنْ كانَ كُفِرَ بنعمة هدايته وإرشاده ولم يؤمن بدينه ولم يصدقه في تبليغه

وَلَقَدْ تَرَكْناها اى السفينة وقصتها او الفعلة التي فعلناها مع المكذبين لرسلنا المجترئين علينا بالإنكار والكفران آيَةً دالة

<<  <  ج: ص:  >  >>