للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في جبلتهم مركب مع طبيعتهم في اصل فطرتهم بمقتضى الشقاوة الازلية والغباوة الفطرية الجبلية وإذا كان الأمر على ذلك فَمَنْ يَهْدِي ويرشد مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وأراد ضلالهم وقد أثبته في لوح قضائه وحضرة علمه المحيط من جملة الضالين وزمرة الجاهلين وَما لَهُمْ بعد ما نفذ القضاء على شقاوتهم وضلالهم مِنْ ناصِرِينَ ينصرون ويرشدونهم الى سبيل الهداية وطريق السعادة والرشد وبعد ما سمعت يا أكمل الرسل ان الهداية والضلال انما هو مفوض الى الكبير المتعال

فَأَقِمْ وَجْهَكَ فاستقم واعتدل بوجه قلبك الذي فاض عليك من ربك تتميما لتكميلك وتخليصك عن قيود بشريتك وأغلال طبيعتك لتصل به الى مقرك من التوحيد الذاتي الذي قد جبات لأجله لِلدِّينِ النازل لك من عند ربك تأديبا لك يا أكمل الرسل وتديينا لمن تبعك وإصلاحا لشأنك وشأن متابعيك حَنِيفاً اى حال كونك منصرفا مائلا من عموم الأديان الباطلة والآراء الفاسدة مطلقا واعلم يا أكمل الرسل ان فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها وصبغتهم التي قد صبغهم بها اصلية جبلية لا تزول عنهم أصلا إذ لا تَبْدِيلَ ولا تغيير ولا تحويل لِخَلْقِ اللَّهِ الحكيم العليم وتقديره الذي قد قدره بمقتضى علمه وحكمته كما قال عز شأنه ما يبدل القول اى الحكم لدىّ ذلِكَ الدِّينُ المنزل عليك من ربك يا أكمل الرسل لوقاية الفطرية الاصلية المذكورة ورعاية لوازمها المساوية لها من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المرضية هو الدين الْقَيِّمُ والطريق الأعدل الأقوم الموصل الى توحيده سبحانه على الاستقامة بلا عوج وانحراف وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المجبولين على الغفلة والنسيان لا يَعْلَمُونَ حقيته ولا يفهمون استقامته فكيف إيصاله الى التوحيد فعليكم ايها المحمديون ان تتدينوا بدين الإسلام وتطيعوا بجميع ما فيه من أوامر الله ونواهيه

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ راجعين نحوه بالإخلاص التام وَاتَّقُوهُ واحذروا عن محارمه خائفين من انتقامه بالخروج عن مقتضيات حدوده ومع ذلك لا تقنطوا من وسعة رحمته وجوده وَبالجملة أَقِيمُوا الصَّلاةَ واديموا الميل نحوه في عموم أوقاتكم وحالاتكم سيما في الأوقات المكتوبة والساعات المحفوظة وَلا تَكُونُوا ايها المنيبون المتوجهون نحو الحق المتدينون بدين الإسلام مِنَ الْمُشْرِكِينَ المشركين له سبحانه غيره في حال من الأحوال ولا تنسبوا الحوادث الكائنة في ملكه وملكوته الى غيره من الاظلال والأسباب الهالكة المستهلكة في شمس ذاته مع كمال توحده واستقلاله في الوجود والتصرفات الواقعة في مظاهره مطلقا وبالجملة لا تكونوا ايها المحمديون المتدينون بالدين النازل من عند الله لحفظ فطرتكم الاصلية التي هي التوحيد الذاتي

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ الوحدانى الذي هو وقاية توحيدهم فرقا مختلفة وابتدعوا فيه مذاهب متفاوتة متخالفة فتشعبوا شعبا كثيرة وَكانُوا شِيَعاً يعنى هم بسبب هذا الاختلاف والافتراق قد صاروا شيعا وأحزابا كثيرة يشايع ويروج كُلُّ حِزْبٍ وشيعة منهم بِما لَدَيْهِمْ وبما هو عندهم من المذهب المستبدع المستحدث من تلقاء نفوسهم فَرِحُونَ مسرورون مدعون كل منهم حقية ما هم عليه من الباطل الزائع الزائل حمية وغيرة عليه بلا سند عقلي وشرعي. ثم أشار سبحانه الى ما حداهم وأغراهم على هذا الزيغ والضلال من الخصلة الذميمة المركوزة في جبلتهم فقال

وَإِذا مَسَّ النَّاسَ المجبولين على الكفران والنسيان ضُرٌّ اى شدة وبلاء ومصيبة وعناء يزعجهم الى الدعوة والتوجه نحو الحق لكشفه وتفريجه دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ مائلين عن الأسباب العادية مطلقا مسترجعين نحوه عن محض الندم والإخلاص ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ اى

<<  <  ج: ص:  >  >>