للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لما سمع هذا الصدا وقلق وارتعد واستوحش عن هذا النداء وقرب الى ان صار مغشيا عليه من شدة هوله ودهشته وكمال ولهه وحيرته نودي ثانيا ايضا باسمه استيناسا له وازالة لاستيحاشه

يا مُوسى إِنَّهُ اى ان من ناداك في النار وظهر عليك على صورتها أَنَا اللَّهُ المحيط بعموم المظاهر والأكوان احاطة البحر لجميع الأمواج والازباد والشمس لعوم الأضواء والاظلال والروح لجميع الأعضاء والاجزاء من البدن الْعَزِيزُ الغالب القادر المقتدر لقهر مطلق السوى والأغيار الْحَكِيمُ المتقن في جميع الأفعال والآثار الصادرة الظاهرة منى على أبدع ارتباط وابلغ انتظام ونظام

وَبعد ما أزال الله سبحانه وحشته واذهب ولهه ودهشته بالمؤانسة والمواساة معه قال له سبحانه آمرا إياه أَلْقِ عَصاكَ التي قد أخذتها بيدك يا موسى على الأرض لترى من عجائب صنعتنا وغرائب حكمتنا ما ترى حتى تتنبه أنت من تبدل صورتها وسيرتها الى سرسريان وحدتنا الذاتية السارية في المظاهر فألقاها على الفور فإذا هي حية تسعى فَلَمَّا رَآها اى موسى العصا تَهْتَزُّ وتتحرك كَأَنَّها جَانٌّ اى حية صغيرة سريعة السير وَلَّى وانصرف موسى منها مُدْبِراً خائفا منها قلقا حائرا من أمرها وَلَمْ يُعَقِّبْ موسى نحوها ولم يرجع إليها ليأخذها هيبة وخوفا وقلنا له مناديا إياه ليقبل عصاه يا مُوسى لا تَخَفْ من عصاك ستعود على سيرتها الاصلية إِنِّي من كمال مرحمتى واشفاقى على خلص عبادي لا يَخافُ لَدَيَّ احد من أوليائي سيما الْمُرْسَلُونَ منهم المختارون للرسالة والتشريع العام ألا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

إِلَّا مَنْ ظَلَمَ من المرسلين بارتكاب ذنب صدر منه لا عن عمد ثُمَّ بَدَّلَ وتدارك ذنبه حُسْناً بالتوبة والندامة بَعْدَ سُوءٍ صدر عنه وهو يخاف عنى بسبب ذنبه فَإِنِّي ايضا غَفُورٌ له ولأمثاله اغفر لهم واعف عن زلاتهم رَحِيمٌ ارحمهم واقبل توبتهم بعد ما صدرت عن خلوص الطوية ومحض الندم

وَبعد ما قد رأى موسى من عجائب العصا ما رأى قال له سبحانه ثانيا آمرا أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ يا موسى تَخْرُجْ على الفور منه اى أدخلها فأخرجها ترها بَيْضاءَ محيرة للعقول والأبصار مع ان بياضها مِنْ غَيْرِ سُوءٍ مرض عرض عليها برص وغيره ثم قيل له من قبل الحق هي اى اليد البيضاء آية ومعجزة جديدة دالة على نبوتك ورسالتك موهوبة لك من لدنا معدودة محسوبة فِي تِسْعِ آياتٍ عظام قد وهب لك وهي العصاء واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والجدب ثم بعد ما شهدت من يدك وعصاك ما شهدت يكفيك شهادتهما على صدقك في دعواك الرسالة مع ان لك معجزات كثيرة سواهما اذهب أنت مرسلا من عندي إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وبلغهم إنذاري وتخويفى ونزول عذابي إليهم من سوء صنيعهم إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن مقتضى الحدود الموضوعة فيهم من عندنا وبوضعنا فذهب موسى باذن الله ووحيه الى فرعون واظهر الدعوة عنده واقام البينة عليها

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ اى ظهرت على فرعون وقومه آياتُنا الدالة على كمال قدرتنا وحكمتنا وصدق من قد أرسلنا إليهم لإرشادهم وتكميلهم مع كونها آية مُبْصِرَةً موضحة مثبتة مبينة لهم صدق موسى في دعوى الرسالة ظاهرة لائحة في نفسها انها معجزة ما هي من جنس السحر والشعبذة قالُوا من فرط عتوهم وعنادهم ومن شدة بطرهم وسكرتهم هذا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر انه مجعول بمكر وحيل كثيرة

وَمن كمال استنكافهم واستكبارهم قد جَحَدُوا بِها وأنكروا لها ولم يلتفتوا إليها ظاهرا وَالحال

<<  <  ج: ص:  >  >>