للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة يونس عليه السّلام]

فاتحة سورة يونس عليه السّلام

لا يخفى على المنجذبين نحو التوحيد الإلهي من طريق السلوك والمجاهدة ورفض الشواغل وقطع العلائق ونفى الخواطر ودفع الوساوس وإسقاط الأوهام والخيالات المستندة الى الهويات الباطلة الجزئية المستلزمة للغيرية والامتياز والاستقلال في الوجود وما يترتب عليه من الآثار والإضافات ان السلوك من هذا الطريق لا يتم الا بالاستمداد والاسترشاد من اهل الخبرة والاستبصار وارباب الكشف والاعتبار الواصلين الى مقر التوحيد من جادة المجاهدة ومحجة الفناء المقتضية للموت الإرادي عن لوازم الهوية البشرية مطلقا وبالجملة ان الكاملين المكملين العارفين بأمارات الطريق وموانعه عرفوا ان قضية الحكمة وامر المناسبة الإلهية الواقعة بين الأوصاف الذاتية تقتضي ان تكون بين المفيد والمستفيد علاقة ورابطة إذ لا يمكن الاستفادة والاسترشاد من اى شخص كان بل لا بد من المناسبة والعلاقة المصححة للافادة والاستفادة في هذه الطرق الا من جذبه الحق بنفسه عن نفسه واخلع عنه جلباب ناسوته مطلقا او كساء خلعة لاهوته دفعة فصار هو هو بل قد ارتفعت الهوية واضمحلت الموضوعية والمحمولية ايضا عن بصر بصيرته وشهوده فهم تحت قباب العزة ولواء العظمة والكبرياء وسرادقات المجد والبهاء بحيث لم يبق عندهم سلوك وسالك ومسلك وقصد ومقصد وطلب ومطلب بل مطلوب ومقصود ايضا وبالجملة هم لا يعرفون سوى الحق وكذا لا يعرفهم الا هو كما نطق به الحديث القدسي لذلك ما يروا هؤلاء الا به وفيه واما اهل الطلب والارادة المتدرجون في سلوك طريق الفناء المتعطشون بزلال التوحيد والبقاء فلا بد لهم ان يتوسلوا ويتشبثوا بذيل من أيده الحق لتكميل العباد وإرشادهم الى مبدأهم ومعادهم الا وهم الأنبياء الذين قد جبلوا على النفوس القدسية المطهرة عن الكدورات الانسية والعلائق البشرية العائقة عن الفناء في هوية الحق ثم الأولياء الوارثون منهم الواصلون بمتابعتهم الى مرتبة التوحيد والعرفان التي هي عبارة عن الفناء في ذاته سبحانه. والمحجوبون المجبولون على الغفلة المنهمكون في الغي والضلال يتعجبون عن ارشاد الأنبياء والأولياء عباد الله الى فضاء توحيده وينكرون لياقتهم للنبوة والرسالة انما هو لجهلهم بدقائق المناسبات ورقائق الارتباطات الواقعة بين الحق والإنسان الكامل ويقيسون احوال الأنبياء والأولياء الى احوال آحاد الناس ولم يتفطنوا ان أفضل البشر أفضل من أفضل الملائكة لتحققهم في مرتبة الخلافة والنيابة الإلهية بجمعيتهم دونهم لعدم جمعيتهم لذلك رد الله سبحانه على هؤلاء الجهلة بما هم عليه من التعجب والإنكار ووبخهم بما وبخهم ليتنبه المؤمنون على ما هو الحق فقال متيمنا باسمه العظيم ومخاطبا على رسوله الكريم بِسْمِ اللَّهِ الذي ظهر على ما ظهر بمقتضى أوصافه وأسمائه الكامنة في وحدة ذاته فتتراءى متكثرة بكثرة أسمائه وصفاته الرَّحْمنِ على عموم مظاهره بالامداد الدائم المتجدد حسب تجلياته الذاتية الحبية الرَّحِيمِ على خلاصة مظاهره وزبدة مكوناته التي هي الإنسان الجامع لجميع مراتب المظاهر بالنبوة العامة والولاية التامة الشاملة لكلتى مرتبتي الاول والآخر والظاهر والباطن في المبدأ والمعاد باعتبار النشأتين

[الآيات]

الر ايها الإنسان اللبيب الرشيد اللائق للرسالة العامة والرياسة الكلية الكاملة الشاملة على كافة البرية تِلْكَ الآيات المنزلة عليك في هذه السورة آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ اى بعض آيات الكتاب الإلهي الذي هو حضرة علمه المحيط ولوح قضائه المحفوظ ناطقة بالصدق والصواب على مقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>