للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثرة تطيركم وتشأمكم وَقد ظَنَنْتُمْ بزعمكم هذا ظَنَّ السَّوْءِ بالله ورسوله والمؤمنين وَبالجملة قد كُنْتُمْ ازلا وابدا قَوْماً بُوراً هالكين في تيه الجهل والعناد مصرين على انواع الجهل والجور والفساد

وَبالجملة مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ اى لم يجمع بين الايمان بالله وتصديق الرسول المستخلف منه سبحانه فَإِنَّا بمقتضى قهرنا وجلالنا قد أَعْتَدْنا وهيأنا لِلْكافِرِينَ المصرين على الكفر والتكذيب سَعِيراً نارا مسعرة ملتهبة تحيط بهم جزاء ما قد اوقدوا في نفوسهم نيران الفتن والطغيان لأولياء الله

وَكيف لا ينتقم سبحانه مع انه لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وله التصرف فيهما بالاستقلال والاختيار يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فضلا وإحسانا وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ عدلا وانتقاما وَبالجملة قد كانَ اللَّهُ المتصف بكمال اللطف والمرحمة غَفُوراً لمن تاب وآمن وعمل عملا صالحا رَحِيماً يقبل توبة التائبين ويعفو عن زلاتهم. ثم لما سمع المخلفون من الاعراب يوم الحديبية ان الله قد وعد للمؤمنين فتح خيبر وخص لهم الغنائم قصدوا الخروج نحوها طامعين من الغنائم لذلك اخبر الله سبحانه حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بقصدهم هذا فقال

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ المذكورون وقت إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ التي قد وعدت لكم خاصة لِتَأْخُذُوها وتسهموا منها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ بغزوتكم هذه وننصركم مع انهم لا يقصدون الرفاقة والوفاق في نفوسهم ونياتهم بل ما يُرِيدُونَ ويقصدون بقولهم هذا الا أَنْ يُبَدِّلُوا ويغيروا كَلامَ اللَّهِ الدال على تخصيص غنائم خيبر لمن حضر الحديبية بدل غنائم مكة قُلْ لهم يا أكمل الرسل على وجه التأكيد في النفي لَنْ تَتَّبِعُونا ابدا كَذلِكُمْ اى مثل ما سمعتم من النفي المؤكد قالَ اللَّهُ المطلع على ما في نفوسهم من النفاق والشقاق المستمر المؤكد مِنْ قَبْلُ اى قبل تهيئكم ايها المؤمنون للخروج الى الخيبر فَسَيَقُولُونَ بعد ما سمعوا النفي على وجه التأكيد في نفوسهم حسب ما في قلوبهم من الزيغ والضلال ما أمركم الله هذا بَلْ تَحْسُدُونَنا عن أخذ الغنيمة يعنى ما حملهم على هذا النفي المؤكد المؤبد الا الحسد والشح بَلْ هم قوم جاهلون قد كانُوا لا يَفْقَهُونَ ولا يفهمون مراد الله العليم الحكيم عن منعهم هذا إِلَّا قَلِيلًا منهم وهم المصدقون بالله ورسوله في سرائرهم ونجواهم

قُلْ يا أكمل الرسل لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ بعد ما ايسوا من الخروج الى خيبر سَتُدْعَوْنَ عن قريب إِلى غزوة قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وشوكة عظيمة تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ اى مآل أمرهم اما القتل واما الإسلام لا غير إذ قد رفعت الهدنة والمصالحة بيننا فصار الأمر هكذا فَإِنْ تُطِيعُوا حينئذ ولا تتخلفوا كما تخلفتم يوم الحديبية يُؤْتِكُمُ اللَّهُ المطلع بنياتكم أَجْراً حَسَناً في الدنيا والآخرة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا وتنصرفوا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يوم الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جرمكم وشدة شقاقكم ونفاقكم. ثم أخذ سبحانه في تعداد ما يرخص لهم التخلف والقعود على سبيل الاضطرار فقال

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ اى ليس لهؤلاء المذكورين وزر ومؤاخذة ان تخلفوا عن القتال وأمثال هذه الاعذار انما تقبل ان كانوا من اهل الإطاعة والايمان وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ على وجه الإخلاص والوفاق بلا بطانة ونفاق يُدْخِلْهُ سبحانه بمقتضى فضله وسعة رحمته وجوده جَنَّاتٍ متنزهات الكشوف والشهود تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ المملوة من المعارف والحقائق المتجددة بتجددات

<<  <  ج: ص:  >  >>