للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهلكوا واستوصلوا فكذا هؤلاء المكذبون المسرفون سيهلكون ويستأصلون عن قريب فاصبر يا أكمل الرسل على أذاهم ولا تستعجل لهم فسيرون ما يوعدون. ثم قال سبحانه على سبيل الإنكار والاستبعاد على المنكرين المستبعدين بالحشر والبعث

أَفَعَيِينا اى أينكرون قدرتنا على الإعادة ويظنون انا قد صرنا عاجزين بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ اى الإبداء الابداعى عن الخلق الثاني الأعادي ويزعمون ان قدرتنا تضعف وتفتر عند الخلق الاول بل تنتهي دونه ولم يعلموا ان قدرتنا بل عموم اوصافنا وأسمائنا لا تتصف بالانتهاء والفتور ولا بالانقضاء والقصور حتى يفهموا ويتفطنوا ان تعلق قدرتنا لكل مقدور من المقدورات في كل آن من الآنات على شأن الشئون الكمالية بحيث لم يمض مثله ولا يأتى شبهه بَلْ لهم ان يتفطنوا بمقتضى الفطرة الاصلية ان هُمْ في أنفسهم وفي حدود ذواتهم دائما مستمرا فِي لَبْسٍ وخلعة مِنْ توارد خَلْقٍ جَدِيدٍ منا وإيجاد متجدد من لدنا في كل زمان وآن حسب قدرتنا واختيارنا

وَبالجملة لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وقدرنا وجوده واستعداده في حضرة علمنا وأثبتناه في لوح قضائنا وأظهرناه من كتم العدم وَنحن نَعْلَمُ منه حينئذ ما تُوَسْوِسُ وتحدث بِهِ نَفْسُهُ وتخطر بباله الآن من أمثال هذه الأوهام والخيالات الباطلة المترتبة على حصة ناسوته المقيدة بسلاسل الرسوم وأغلال العادات الموروثة له من العقل الفضول الممتزج بالوهم الجهول وَكيف لا نعلم منه هواجس نفسه إذ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ اى وريده وهو مثل في القرب المفرط كما قال الموت ادنى لي من الوريد واضافة الحبل اليه للبيان وبالجملة نحن اقرب اليه من الوريدين وهما العرقان المنبثان من مقدم الرأس المتنازلان من طرفي العنق المتلاصقان عند القفا المنتهيان الى آخر البدن وهما قوام البدن وعليهما مداره إذ هما أقوى دعائم هيكل الإنسان وبالجملة نحن بحسب روحنا المنفوخ فيه من عالم اللاهوت اقرب اليه من ناسوته لا على توهم المسافة وعلى سبيل التركب والاتحاد والحلول والامتزاج بل على وجه الظلية والانعكاس ومع غاية قرب الحق اليه وكمال احاطته إياه وكل عليه الحفظة من الملائكة ليراقبوا أحواله ويحافظوا عليه إلزاما للحجة عليه لدى الحاجة يوم القيامة اذكر يا أكمل الرسل وقت

إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ الموكلان عليه عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ اى قاعد كل من الموكلين عن يمينه وشماله مترقبين على عموم أحواله واعماله وأقواله بحيث

ما يَلْفِظُ ولا يتلفظ مِنْ قَوْلٍ يتفوه به ويرميه من فيه إِلَّا لَدَيْهِ وعنده رَقِيبٌ حفيظ عليه عَتِيدٌ مهيأ معد حاضر عنده غير مغيب عنه يرقبه ويحفظه على وجه لا يفوت عنه شيء من ملتقطاته مطلقا خيرا كان او شرا

وَهما يحفظانه ويرقبان عليه الى حين جاءَتْ وحضرت سَكْرَةُ الْمَوْتِ شدته وغمرته بِالْحَقِّ والحقيقة وحضرت علاماته وانكشفت عليه أهواله واماراته قيل له حينئذ من قبل الحق ذلِكَ اى الموت الذي ينزل عليك الآن ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ هو الموت الذي قد كنت أنت تميل وتفر عنه فيما مضى

وَبعد ما ذاق الإنسان مرارة العذاب وقت سكرات الموت فتكون تذكرة أنموذجا عنده من العذاب الموعود في يوم القيامة نُفِخَ فِي الصُّورِ للبعث والحشر فإذا هو قائم هائم حائر ينظر حيران سكران قيل له من قبل الحق على سبيل التهويل ألست تنظر وتتحير يا حائر الهائم ذلِكَ اليوم الذي أنت فيه الآن يَوْمُ الْوَعِيدِ الموعود لك في دار الدنيا وأنت حينئذ لم تؤمن به ولم تخف من أهواله حتى وقعت فيه وذقت من عذابه وقت موتك وخروجك من الدنيا

وَبعد ما بعث الأموات من أجداثهم

<<  <  ج: ص:  >  >>