للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الى حران ثم منها الى الشأم فنزل هو بفلسطين ونزل لوط بسدوم ثم لما استقر وتمكن متوطنا على فلسطين قد وَهَبْنا لَهُ من كمال لطفنا معه وفضلنا إياه ابنه إِسْحاقَ وَنافلته يَعْقُوبَ ليزيل بهما كربة الغربة ووحشة الجلاء مع ان هبة الولد إياه انما هي من محض الجود والعطاء على سبيل خرق العادة إذ هو في سن الكبر والكهولة وامرأته عاقر عقيم وَمن كمال لطفنا معه ايضا قد جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ مستمرة الى يوم الجزاء وَالْكِتابَ ايضا اى قد آتينا الكتاب لبعض منهم يعنى رسلهم وانما فعلنا معه كذلك لئلا ينقطع سلسلة كرامتنا عنه وتعظيمنا إياه بل يستمر الى انقراض النشأة الاولى وَبالجملة بعد ما هاجر إلينا خليلنا بالكلية وانخلع عن خلعة الإمكان بالمرة وتجرد عن كسوة الناسوت رأسا فقد آتَيْناهُ أَجْرَهُ اى اجر هجرته فِي الدُّنْيا على وجه لا ينقطع صيته عن الآفاق ابدا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ بقبولنا المقبولين في ساحة عز حضورنا

وَمن كمال فضلنا وجودنا أرسلنا ايضا لُوطاً الى قوم قد انحرفوا عن جادة العدالة وطريق الاستقامة وضلوا عن سواء السبيل اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ لوط عليه السلام لِقَوْمِهِ بوحي الله إياه والهامه إِنَّكُمْ ايها المفسدون المسرفون لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ اى الفعلة الذميمة التي ما سَبَقَكُمْ بِها وعليها لغاية هجنتها وقبحها ونهاية شنعتها وخباثتها مِنْ أَحَدٍ اى احد مِنَ الْعالَمِينَ اى من بنى نوعكم بل أنتم قد ابتدعتموها واخترعتموها من خباثة نفوسكم وشؤم شهوتكم ثم وبخهم وقرعهم سبحانه بهجنة أفعالهم وأعمالهم فقال

أَإِنَّكُمْ ايها المسرفون المفرطون في اطاعة القوة الشهوية لَتَأْتُونَ وتطئون الرِّجالَ من ادبارهم وهم أمثالكم واشباهكم في الرجولية وَمع ذلك تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ المعهود يعنى سبيل التناسل والتوالد وتبطلون الحكمة المتقنة البالغة الإلهية المتعلقة بابقاء النوع وَمع ذلك تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ اى في مجالسكم ومحافلكم الْمُنْكَرَ اى هذه الفعلة الذميمة القبيحة المتناهية في الهجنة والفضاحة يعنى تأتون بها على رؤس الملأ والاشهاد بلا مبالات واستحياء وإخفاء بل تباهون وتفتخرون بإظهارها مع ان إعلان عموم المنكرات من أعظم الجرائم وأقبح الفواحش عند الله وعند عموم المؤمنين سيما هذا المنكر المستبدع المستقذر فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ بعد ما سمعوا منه التشنيع الشنيع والتقبيح الفضيح على ابلغ وجه وآكده إِلَّا أَنْ قالُوا متهكمين له مصرين على ما هم عليه من الفعلة المستهجنة والديدنة المستقبحة ائْتِنا يا لوط المتطهر المتنزه بِعَذابِ اللَّهِ الذي قد ادعيت نزوله علينا بسبب فعلتنا هذه إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك فنحن لم نمتنع عن فعلتنا بهذياناتك قط ولم نقبل منك وعظك ونصيحتك أصلا وبعد ما ايس لوط عن صلاحهم وإصلاحهم

قالَ مشتكيا الى الله ملتجأ نحوه مستنصرا منه رَبِّ يا من رباني على الطهارة والنظافة انْصُرْنِي بحولك وقوتك بانزال العذاب عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ المسرفين المفرطين في الإفساد الخارجين عن مقتضيات حدودك وأحكامك

وَبعد ما استحقوا الإهلاك والاستئصال بإصرارهم عليها وعدم امتناعهم عنها مع كونهم مجاهرين بها مفاخرين بإظهارها أخذناهم بغتة واستأصلناهم مرة وذلك لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى ليبشروه بهبة الولد والنافلة قالُوا مخبرين له على طريق الوحى من الله إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ يعنى سدوم وجاعلوها منقلبة على أهلها إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ خارجين عن مقتضى الحدود الإلهية قلابين الحكمة المتقنة البديعة الإلهية بالبدعة الشنيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>