عليهم وَبعد انكشاف أحوالهم وضبط أعمالهم قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وحكم على مقتضى العدالة الإلهية بلا حيف وميل وَهُمْ يومئذ لا يُظْلَمُونَ بالزيادة ولا بالنقصان ثوابا وعقابا بل يزاد ثوابهم ايضا ويضاعف حسناتهم تفضلا وامتنانا
وَبالجملة قد وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ جزاء ما عَمِلَتْ من خير وشر وَكيف لا يوفى إذ هُوَ سبحانه أَعْلَمُ واحفظ منهم بِما يَفْعَلُونَ اى بعموم أفعالهم وأعمالهم الصادرة منهم صالحها وفاسدها نقيرها وقطميرها
وَبعد ذلك سِيقَ سوق البهائم الى المسلخ عنفا وزجرا الَّذِينَ كَفَرُوا في النشأة الاولى بالإعراض عن الحق واهله إِلى جَهَنَّمَ الطرد والخذلان زُمَراً فوجا بعد فوج وطائفة اثر طائفة حَتَّى إِذا جاؤُها يعنى جهنم فُتِحَتْ لهم أَبْوابُها اى أبواب اودية النيران المعدة لأصحاب الكفر والطغيان على تفاوت طبقاتهم وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها حينئذ على سبيل التوبيخ والتقريع أَلَمْ يَأْتِكُمْ ايها الضالون المستحقون لهذا الوبال والنكال رُسُلٌ مِنْكُمْ ومن بنى نوعكم مبعوثون إليكم من قبل الحق يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ الدالة على وحدة ذاته وكمال قدرته على وجوه الانعام والانتقام وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا اى يحذرونكم ويخوفونكم عن لقاء هذا اليوم الهائل الذي تدخلون أنتم فيه النار بأنواع الحسرة والحرمان والخيبة والخذلان وبعد ما سمعوا منهم ما سمعوا قالُوا متحيرين متأسفين بَلى قد جاءنا رسل ربنا بالحق وتلوا علينا آياته المشتملة على انواع الإنذار والتبشير وَلكِنْ لم يفدنا إنذارهم وتبشيرهم إذ حَقَّتْ اى قد صدرت وثبتت حقا منه سبحانه في حضرة علمه وسابق قضائه حتما كَلِمَةُ الْعَذابِ وهي قوله سبحانه لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين عَلَى الْكافِرِينَ المعرضين عن الحق وآياته وعن من بلغها إليهم باذنه لذلك أعرضنا عنها وعنهم فوجبت لنا النار وبالجملة أتوا بالعذر وما ينفعهم بل
قِيلَ لهم حينئذ من قبل الحق من وراء سرادقات العز والجلال ادْخُلُوا ايها الضالون المجرمون أَبْوابَ جَهَنَّمَ اى كل فرقة منكم بباب يخصها في سابق قضائنا وكونوا خالِدِينَ فِيها بحيث لا نجاة لكم منها ابدا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ اى الكافرين المستكبرين جهنم الخذلان وجحيم الحرمان والخسران. أعاذنا الله وعموم المؤمنين منها بفضله العظيم
وَسِيقَ ايضا سوق الحمام الى المسرح سرورا وفرحا الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ يعنى عن محارمه بمقتضى أوامره ونواهيه الجارية على ألسنة رسله وكتبه إِلَى الْجَنَّةِ المعدة لفيضان انواع اللذات الروحانية على أهلها زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فرحين مسرورين وتحننوا نحوها سابقين وصادفوها مشتاقين وجدوها وَقد فُتِحَتْ لهم أَبْوابُها عناية من الله إياهم وَقالَ لَهُمْ حينئذ خَزَنَتُها ترحيبا وتكريما سَلامٌ عَلَيْكُمْ ايها المهديون المهتدون الذين قد طِبْتُمْ وطهرتم انفسكم في نشأة الاختبار ودار العبرة والاعتبار عن ادناس الشهوات وإكدار اللذات البهيمية العارضة للنفوس الخبيثة من المألوفات الطبيعية فَادْخُلُوها اى الجنة المشتملة على انواع الكرامات واصناف السعادات وكونوا خالِدِينَ فيها ابد الآبدين بلا نقل ولا تحويل اى الى ما شاء الله لأهل العناية من الدرجات العلية التي لا تكتنه ولا توصف
وَبعد ما تمكنوا في مقر العز والحضور قالُوا مسترجعين الى الله عادين موائد انعامه وإحسانه على أنفسهم مواظبين مقيمين لأداء حقوقها الْحَمْدُ والمنة لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ اى جميع ما وعدنا الله به في النشأة الاولى بوحيه النازل على ألسنة أنبيائه ورسله