للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا ونوى نماء بزوره فيها نُؤْتِهِ مِنْها كمال مبتغاء ومتمناه فيها إذ لكل امرئ ما نوى وَلكن ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ من اللذات الجسمانية والروحانية الباقية مِنْ نَصِيبٍ لاختياره لذات الدنيا وشهواتها الفانية على ما في الآخرة من اللذات الروحانية الباقية لذلك ما له حظ في الآخرة من لذاتها أهم بأنفسهم وعلى خيالهم يحرمون نفوسهم من اللذات الاخروية والفتوحات الروحانية أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ من شياطين الجن والانس قد ظاهروهم عليه وصرفوهم نحوه حيث شَرَعُوا وزينوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ الباطل والديدنة الزائغة ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ الحكيم المتقن في أفعاله المدبر لعموم مصالح عباده على مقتضى حكمته ومراده ولم يأمر بوضعه واتخاذه لا بالوحي ولا بالإلهام بل انما أخذوا ما أخذوا من تلقاء أنفسهم وعلى مقتضى اهويتهم الباطلة ظلما وعدوانا لذلك لم يثمر لهم سوى الخيبة والخذلان والحسرة والحرمان وَبالجملة لَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ والقضاء صادرة عن الله بتأخير أخذهم بظلمهم وامهال انتقامهم الى يوم الجزاء لَقُضِيَ وحكم اليوم بَيْنَهُمْ اى بين اهل الهداية والضلال فيلحق لكل منهم جزاء ما اقترفوا من الحسنات والسيئات وَبالجملة إِنَّ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية بمتابعة آرائهم وإخوانهم من الشياطين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في النشأة الاخرى ألا وهو حرمانهم عما أعد لنوع الإنسان المصور على صورة الرحمن من الكرامات السنية والمقامات العلية لا عذاب أشد منه وأفزع ومن كمال حرمانهم وخسرانهم حينئذ

تَرَى الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية عدوانا وظلما مُشْفِقِينَ خائفين مرعوبين مِمَّا كَسَبُوا اى من لحقوق وبال ما اكتسبوا من المعاصي والآثام وَالحال انه هُوَ واقِعٌ بِهِمْ لاحق لهم وما ينفعهم الإشفاق وعدمه لانقضاء نشأة التدارك وزمان التلافي. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته السنية المستمرة وَترى ايضا ايها المعتبر الرائي المؤمنين الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق حين أخبرهم الرسل ودعاهم اليه حسب استعداداتهم الفطرية وقابلياتهم الجبلية وَمع ايمانهم بالله قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى قد أكدوا ايمانهم وتوحيدهم الذاتي بصوالح الأعمال والأخلاق ليدل ايضا على توحيد الصفات والأفعال هم في النشأة الاخرى لكمال اطاعتهم وانقيادهم متنعمون فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ اى متنزهات اليقين العلمي والعيني والحقي ولهذا قد حصل وحضر لَهُمْ ما يَشاؤُنَ من اللذات المتجددة والفيوضات المترادفة وانواع الفتوحات والكرامات عِنْدَ رَبِّهِمْ الذي أوصلهم الى كنف قربه وجواره وبالجملة ذلِكَ الفضل الذي أعد لأرباب العناية والتوحيد هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ والفوز العظيم الذي يستحقر دونه عموم اللذات والكرامات وبالجملة

ذلِكَ المذكور من الفوز والفضل هو الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ المنعم المفضل به عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة ذاته وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المفضية الموصلة لهم الى توحيد الأفعال والصفات قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما بينت لهم طريق الهداية والضلال وبلغت ما يوحى إليك للإرشاد والتكميل إياهم لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على تبليغى وتبشيرى إياكم أَجْراً جعلا منكم ونفعا دنيويا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى اى ما اطلب منكم نفعا دنيويا بل ما اطلب منكم الا محبة اهل بيتي ومودتهم ليدوم لكم طريق الاستفادة والاسترشاد منهم إذ هم مجبولون على فطرة التوحيد الذاتي وفطنة المعرفة الذاتية مثلي روى انها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك قال على وفاطمة وابناهما وكفاك شاهدا على ذلك ظهور الائمة الذين هم من أكابر اولى العزائم في طريق الحق وتوحيده صلوات الله وسلامه على أسلافهم

<<  <  ج: ص:  >  >>