للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْتَكْبِرِينَ لاشتراكهم معه سبحانه في أخص أوصافه إذ الكبرياء مخصوصة به سبحانه لا يسع لاحد ان يشارك معه فيه

وَمن غاية عتوهم واستكبارهم إِذا قِيلَ لَهُمْ على طريقة الاستفسار ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ على نبيكم قالُوا متهكمين مستهزئين ليس ما انزل له ربه الا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى الأكاذيب الأراجيف التي قد سطرها الأولون فيما مضى من تلقاء نفوسهم. وبالجملة انما قالوا ذلك وأذاعوه بين الأنام

لِيَحْمِلُوا ويقترفوا أَوْزارَهُمْ وآثامهم كامِلَةً بلا تخفيف شيء منها ولا نقصانه ليؤاخذوا عليها يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيحملوا ايضا مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ من ضعفاء الناس بقولهم هذا لهم والقائهم إليهم مع انهم هم خالوا الأذهان بِغَيْرِ عِلْمٍ يتعلق منهم بالقرآن واعجازه ومع ذلك لا يعذرون لعدم التفاتهم الى التأمل والتدبر حتى يظهر عندهم حقيته وبطلان قولهم أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ويعملون المضلون باضلالهم والضالون بضلالهم وعدم تأملهم وتدبرهم مع انهم مجبولون على التأمل والتدبر. وبالجملة ليس هذا التكذيب والإضلال والتهكم والاستهزاء من الأمور الحادثة بين أولئك الهالكين في تيه الشرك والطغيان بل هي من سنة الكفرة السالفة ومن ديدنتهم القديمة وعادتهم المستمرة

إذ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ واحتالوا لإضلال العوام الى حيث قد بنوا ابنية رفعية للصعود الى السماء والمقاتلة مع سكانها والهها ثم لما تم بنيانهم وقصورهم فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ اى قد اتى امره سبحانه باهلاكهم وتعذيبهم بهدم بنيانهم مِنَ الْقَواعِدِ والأعمدة والأساس التي قد بنى عليها البناء فتضعضعت وتحركت الدعائم فَخَرَّ وسقط عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وهم تحته متمكنون مترفهون فهلكوا وَبالجملة قد أَتاهُمُ الْعَذابُ بغتة مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ اماراتها قبل نزوله

ثُمَّ بعد تعذيبهم في النشأة الاولى يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ الله ويرديهم ويخذلهم بتكذيبهم كلام الله وكلام رسوله وَيَقُولُ لهم سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ ايها الضالون المضلون المنهمكون في الغي والضلال تُشَاقُّونَ وتعادون فِيهِمْ وفي حقهم وشأنهم المؤمنين وتعارضون معهم بادعاء الألوهية لأولئك التماثيل العاطلة الباطلة ادعوهم لينجوكم ويخلصوكم عن عذابي وبطشى قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من الأنبياء والرسل وخلفائهم الذين دعوهم الى الايمان فلم يؤمنوا بل يكذبونهم وينكرون عليهم وعلى دينهم ونبيهم حين أبصروا أخذ الله إياهم شامتين لهم متهكمين عليهم إِنَّ الْخِزْيَ اى الذلة والصغار الْيَوْمَ وَالسُّوءَ المفرط المجاوز عن الحد واقع نازل عَلَى الْكافِرِينَ المستكبرين الذين كذبوا الرسل وأنكروا الكتب واستهزؤا بهم مكابرة وعنادا

وهم الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ الموكلون عليهم حين معارضتهم بالقرآن وتكذيبهم إياه وبمن انزل اليه مع كونهم ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ومعرضيها على العذاب الأبدي ثم لما عاينوا في النشأة الاخرى بحقيته وصدقه ومطابقته للواقع فَأَلْقَوُا السَّلَمَ اى الانقياد والتسلم اليه مبرئين نفوسهم عن التكذيب والإساءة مع القرآن قائلين ما كُنَّا في النشأة الاولى نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ وما نريد وما نقصد الإساءة في حقه فيقول الملائكة لهم على سبيل التهكم بَلى قد كنتم أنتم لا تسيئون الأدب مع الرسول والقرآن إِنَّ اللَّهَ المطلع بجميع ما كان وما يكون عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الرد والإنكار والتكذيب والإصرار فيجازيكم على مقتضى علمه

ثم قيل لهم زجرا وقهرا فَادْخُلُوا ايها المشركون المستكبرون المعاندون المعادون المكابرون مع الله ورسوله أَبْوابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>