للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطغيانهم عليه انهم أرادوا وقصدوا على وجه الاهتمام ان يخدعوا مع الله ورسله ولا يشكرون نعمة الإرسال والإرشاد بل ينكرون عليها في نفوسهم ويظهرون على الناس انهم مؤمنون مع انهم ليسوا كذلك بل ما قصدوا بذلك الا التلبيس والخداع على وجه النفاق

وَبالجملة لا ينفع لهم مكرهم هذا وحيلتهم هذه إِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل لَيَعْلَمُ بعلمه الحضوري ما تُكِنُّ وتخفى صُدُورُهُمْ من الغل والنفاق وَما يُعْلِنُونَ ويظهرونه بألسنتهم من ايمان وكفر وفساد وصلاح وعهد ونقض إذ لا يخفى عليه سبحانه شيء من احوال عباده وما جرى عليهم في ظواهرهم وبواطنهم

وَكيف يخفى عليه شيء من أحوالهم إذ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي طي السَّماءِ وَالْأَرْضِ حتى النقير والقطمير وكذا ما يعقل ويحس ويعبر عنه ويومى اليه ويرمز نحوه ويعرب عنه الى ما شاء الله إِلَّا هو مثبت محفوظ فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو لوح القضاء وحضرة العلم المحيط الإلهي الذي قد فصل فيه عموم ما كان وما يكون ازلا وابدا بحيث لا يشذ عن حيطته ما من شأنه ان يعلم ويحس به وايضا من جملة ما يدل على شمول قضائه وعلى حيطة حضرة علمه الكتب الإلهية النازلة المنزلة من عنده سبحانه المنتخبة من حضرة علمه ولوح قضائه سيما القرآن إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ من كمال جمعيته واحاطته يَقُصُّ يظهر ويبين عَلى علماء بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الأمر والشأن الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من الأمور المتعلقة بدينهم وملتهم

وَإِنَّهُ في نفسه لَهُدىً هاد موصل الى طريق التوحيد الذاتي وَرَحْمَةٌ نازلة لِلْمُؤْمِنِينَ الموحدين المحمديين من قبل الحق ليهديهم الى وحدة ذاته ويوصلهم الى غاية ما جبلوا لأجله من المعرفة والتوحيد واليقين

إِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل يَقْضِي بَيْنَهُمْ اى بين المختلفين في بنى إسرائيل ويحكم عليهم بِحُكْمِهِ المستنبط من حكمته البالغة المتقنة وَكيف لا هُوَ الْعَزِيزُ الغالب في احكام أحكامه المحكمة المبرمة الْعَلِيمُ في حكمته البالغة المتقنة المفرعة على عدالته الحقيقية وان كذبوك يا أكمل الرسل وأنكروا كتابك وجادلوا معك مراء ومجادلة عنادا ومكابرة

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ المتكفل لحفظك وحضانتك إِنَّكَ في امر دينك وكتابك ورسالتك وهدايتك وفي عموم ما جئت به من قبل ربك عَلَى الْحَقِّ والصدق الذي لا يأتيه الباطل والكذب لا من بين يديه ولا من خلفه الْمُبِينِ الظاهر حقيته عند ذوى البصائر واولى الألباب المستكشفين عن لب الأمور المعرضين عن قشرها فان اعرضوا عنك ولم يقبلوا منك ارشادك وهدايتك لا تبال بهم وباعراضهم وانصرافهم إذ هم عند التحقيق أموات لا حياة لهم حقيقة بل هم موتى

إِنَّكَ وان بالغت واجتهدت في ارشادك وهدايتك إياهم لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ما جئت به من الأوامر والنواهي المأمورة بها الأحياء المقربة الى الله المبينة لطريق توحيده وكيف لا وهم عن السمع معزولون وَايضا أنت لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ اى ليس في وسعك إسماع الدعاء للاصمين الفاقدين آلة السماع والاستماع سيما إِذا وَلَّوْا وانصرفوا عنك مُدْبِرِينَ بلا التفات وتوجه منهم الى الاستماع والسماع والإصغاء

وَبالجملة ما أَنْتَ ايها المرسل للهداية والمبعوث للإرشاد والتكميل بِهادِي الْعُمْيِ الفاقدين آلات الهداية واسبابها عَنْ ضَلالَتِهِمْ المركوزة في جبلتهم الراسخة في طبيعتهم بل إِنْ تُسْمِعُ اى ما تسمع أنت بهدايتك وارشادك ايها الهادي بوحينا وتوفيقنا إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا وبالجملة ما تهدى أنت الا من يصدق بعموم ما جئت به من عندنا ووفق من لدنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ منقادون لأوامرنا وأحكامنا

<<  <  ج: ص:  >  >>