للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به فوجدناك متمكنا على مرتبة الخلة والتوحيد فقد أتيت مخلصا بما طلبنا منك لذلك كان لك من الفضل والعطاء منا جزاء لفعلك ما لم يكن لاحد من بنى نوعك لإخلاصك في أمرك وصحة عزيمتك وخلوص طويتك في نيتك. ثم قال سبحانه على سبيل العظة والتذكير بعموم عباده إِنَّا بمقتضى عظيم جودنا كَذلِكَ اى مثل ما جزينا خليلنا ابراهيم ونجيناه من الكرب العظيم نَجْزِي جميع الْمُحْسِنِينَ المخلصين في حسناتهم ونياتهم وفي جميع أعمالهم وحالاتهم. ثم قال سبحانه

إِنَّ هذا الأمر المأمور به لإبراهيم الاواه الحليم من ذبح ولده في طريق الخلة مع ربه لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ الظاهر صعوبته وشدته على عموم المكلفين وبعد ما قد عزم على أمرنا بالعزيمة الصادقة الخالصة واقدم على امتثاله من محض الاعتقاد وصميم الفؤاد بحيث لو لم نمنع مضاء شفرته مع انه قد بالغ في امراره بقوة تامة واحدها مرارا لذبحه البتة

وَبعد ما ظهر إخلاصه لدينا قد منعناها وبعد ما منعنا مضاء شفرته قد فَدَيْناهُ اى الذبيح الذي هو ابنه بِذِبْحٍ اى بما يذبح به ليتم تقربه إلينا وينال من لدنا ما نعدله من التواب والجزاء المترتب على تقربه عَظِيمٍ اى عظيم القدر إذ ما يفديه الحق لنبي من الأنبياء أعظم البتة مما يفديه الناس قيل بعد ما سمع ابراهيم عليه السلام نداء الهاتف التفت فإذا هو جبريل عليه السلام ومعه كبش أملح اقرن فقال له هذا فداء ابنك بعثه الله إليك فاذبحه وتقرب دونه وهذا الكبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا لتلك المصلحة فأخذ ابراهيم الكبش واتى به المنحر من منى فذبحه عنده وفاز بمبتغاه من الله ما فاز عاجلا وآجلا مما لا مجال للعبارة والإشارة اليه

وَمن جملة ما جزينا على ابراهيم عاجلا انا من كمال خلتنا معه قد تَرَكْنا عَلَيْهِ وأبقينا له فِي الْآخِرِينَ اى في الأمم الذين يلون ويأتون بعده الى قيام الساعة ثناء حسنا وذكرا جميلا حيث يقولون دائما

سَلامٌ وترحيب منا وبركات من الله ورحمة نازلة دائما مستمرا عَلى إِبْراهِيمَ ثم قال سبحانه حثا للمؤمنين

كَذلِكَ اى مثل ما جزينا ابراهيم بأحسن الجزاء في الدنيا والآخرة نَجْزِي عموم الْمُحْسِنِينَ ان أحسنوا وأخلصوا في نياتهم وحسناتهم وكيف لا نجزى خليلنا

إِنَّهُ مِنْ خلص عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الموحدين الموقنين بوحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا وباستقلالنا في ملكنا وملكوتنا

وَبعد ما قد ابتليناه أولا بذبح الولد وفديناه عن ولده عناية منا إياه والى ولده ثانيا قد بَشَّرْناهُ ثالثا بولد أخر مسمى بِإِسْحاقَ وجعلناه نَبِيًّا من الأنبياء معدودا مِنَ زمرة الصَّالِحِينَ لمرتبة الكشف واليقين

وَبالجملة بارَكْنا عَلَيْهِ اى كثرنا الخير والبركة على ابراهيم وَكذا عَلى ابنه إِسْحاقَ وَكثرنا نسلهما الى ان جعلنا مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ في الأعمال والأخلاق والأحوال ذو نفع كثير على عباد الله وفقراء سبيله وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ اى تارك لحظوظ نفسه من الدنيا مطلقا مُبِينٌ ظاهر مبالغ في الترك الى حيث يمنع عنها ضرورياتها ايضا منجذبا الى عالم اللاهوت منخلعا عن لوازم الناسوت مائلا نحو الحق بجميع قواه وجوارحه طالبا الفناء فيه والبقاء ببقائه ومنهم النبي صلّى الله عليه وسلّم والمرتضى كرم الله وجهه وابناه وأولادهما بطنا بعد بطن صلوات الله عليه وسلامه عليهم أجمعين إذ لم يلتفتوا الى حطام الدنيا ومزخرفاتها الا مقدار سد جوعة ولبس خرقة خشن

وَمن ذريتهما المكرمين المؤيدين من لدنا موسى وهارون لَقَدْ مَنَنَّا ايضا عَلى مُوسى وَهارُونَ أخيه منة عظيمة

وَذلك انا قد نَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما اى من آمن لهما من بنى إسرائيل مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>