للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبالات به وبشأنه لَنُخْرِجَنَّكَ البتة يا شُعَيْبُ وَكذا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ وصدقوا بهذياناتك مِنْ قَرْيَتِنا هذه ظلما وعدوانا كرها واجلاء أَوْ لَتَعُودُنَّ أنت ومن معك فِي مِلَّتِنا التي كنتم عليها من قبل قالَ شعيب عليه السّلام مستفهما مستبعدا أَوَلَوْ كُنَّا في الأيام السالفة ايضا كارِهِينَ منكرين ملتكم التي أنتم عليها فتعيدوننا إليها ايها الحمقى المسرفون

وكيف نعود قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا يعنى ان عدنا وصرنا فِي مِلَّتِكُمْ سيما بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ المنجى لعباده عن ظلمة الكفر مِنْها والهمنها بطلان ما أنتم عليه فقد افترينا على الله كذبا وكنا من المكذبين أمثالكم وَبالجملة ما يَكُونُ وما يجوز وما يصح لَنا أَنْ نَعُودَ ونرجع فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ العليم الحكيم عودنا ومصيرنا إليها إذ هو رَبُّنا يربينا بلطفه بما هو خير لنا وان كان فيها خيرا يعبدنا إليها إذ قد وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً تحققا وحضورا لذلك عَلَى اللَّهِ القادر المقتدر ذي العظمة والكبرياء وذي المجد والبهاء تَوَكَّلْنا في عموم ما جرى علينا لا على عيره من الوسائل والأسباب العادية وقد اتخدناه كفيلا لجميع أمورنا رَبُّنا يا من ربانا بأنواع اللطف والكرم افْتَحْ اى اقض واحكم بمقتضى ما قد جرى حكمك في لوح قضائك بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ المطابق للواقع والعدل السوى الموافق لما ثبت في لوح القضاء وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ الحافظين القاضين الحاكمين بين ذوى الخصومات ومن حسن محاورة شعيب عليه السّلام مع أمته ومجاملته معهم لقب بالخطيب بين الأنبياء

وَبعد ما سمعوا منه ما سمعوا قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لتابعيهم وسفلتهم ترهيبا وتهديدا على سبيل المبالغة والله لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً وآمنتم له وسمعتم قوله في ترك البخس والتطفيف إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ في بضائعكم ومعاملاتكم

ثم لما بالغوا في الضلال والإضلال استحقوا الانتقام والنكال فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى الزلزلة الشديدة فخر عليهم سقوف بيوتهم فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ التي يستقرون فيها وصاروا جاثِمِينَ جامدين ميتين

وبالجملة الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا اى استوصلوا وانقرضوا الى حيث صاروا كأن لم يسكنوا ولم يكونوا في تلك الديار أصلا بل الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ المقصورين على الخسران الأبدي في النشأة الاولى والاخرى

فَتَوَلَّى واعرض عَنْهُمْ شعيب عليه السّلام بعد ما شاهد حالهم واستحقاقهم للعذاب والغضب الإلهي وَقالَ متأسفا متحزنا على مقتضى شفقته مضيفا لهم الى نفسه مناديا يا قَوْمِ المنهمكين في الغفلة المبالغين في الإصرار والاستكبار لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي حتى لا يلحق بكم ما لحق وَنَصَحْتُ لَكُمْ باذنه سبحانه وبالغت في نصحى فلم تقبلوا منى نصحى ولم تصدقوا قولي ثم كذب هواجس نفسه وأنكر عليها خوفا من غضب الله فقال فَكَيْفَ آسى واتحزن عَلى قَوْمٍ قد كانوا كافِرِينَ لنعم الحق مكذبين لأوامره مستحقين لما نزل عليهم بسوء معاملتهم مع الله سيما بعد ورود ما ورد من الوعد والوعيد من لدنه سبحانه

ثم لما ذكر سبحانه نبذا من احوال الأمم الماضية الهالكة وقبح صنائعهم مع الله وتكذيبهم كتبه ورسله سجل عليهم سبحانه بان ما لحقهم انما هو من سوء صنيعهم وشؤم نفوسهم فقال وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ من القرى الهالكة مِنْ نَبِيٍّ من الأنبياء إِلَّا أَخَذْنا أولا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ازالة لقساوتهم وتليينا لقلوبهم لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ رجاء ان يتضرعوا إلينا ويتوجهوا نحونا

ثُمَّ بعد ما ضيقنا عليهم كشفنا عنهم بان بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ المضرة المؤلمة الْحَسَنَةَ النافعة

<<  <  ج: ص:  >  >>